حرب المعلومات المضللة: هل حرية التعبير عامة أم فقط لأبناء العم؟
[ad_1]
- أنظر إليه، نتحدث عن عروض ماكدونالدز الأخيرة، وهو يتحدث عن القضية الفلسطينية.
- أنظر إليه، نود لو أن نذهب إلى غزة ونُحارب وهو يتحدث عن عروض ماكدونالدز الأخيرة.
تحمل هاتين المقولتين -تقريبًا- الكلمات ذاتها، إلا أنك لن تر الجُملة الثانية على منصتي فيس بوك وإنستغرام إذا ما قُمت بتحديثهما الآن.
ذلك لأن كِلا الجملتين وبرغم تطابق الكلمات، إلا أنهما لا يحملان المعنى ذاته، فالثانية تدعم القضية، أما الأولى، فهي تُروِّج لعروضٍ من أحد المطاعم الجاري مُقاطعتها الآن بسبب ما شاركته على المنصة من دعم قوات الاحتلال بالغذاء.
في الأغلب، لن تر كِلا الجُملتين في أي حالة إذا كُتبِت بالنقاط وبشكلٍ سليم.
تطورٌ كبير شهدته منصات شركة ميتا في الآونة الأخيرة، تطورٌ نحسدها عليه، وهو عدم الاكتفاء بحظر استخدام من يتحدث عن القضية الفلسطينية لمنصاتها، لتُقرر اليوم عدم إسكاتنا فقط، إنما حجبنا عن الحقيقة.
ما القصة؟
بشكلٍ غير مُفاجئ، وعلى عادة مارك زوكربيرج، أطلقت تطبيقات فيس بوك وإنستغرام تحديثًا جديدًا، يمنع من يقوم به من مشاهدة أية منشورات تتعلق بالقضية الفلسطينية.
لن نُسكتك، لكن لن يسمعك أحد.
أصبحت هذه هي السياسة الجديدة لمنصات شركة ميتا، فستُصبح كمن في الفضاء، بوسعه الحديث، وهو ما لم تعُد مُتمكنة منه حاليًا وقد يؤثر بشكلٍ سلبي كبير على المنصة بسبب تركُّز كافة المنشورات الموجودة حاليًا على هذه القضية، مما سيُقلل من المُحتوى الموجود عليها، وبالتالي، نزوح المُستخدمين -والذي قد حدث بالفعل- إلى منصاتٍ تضمن قدرًا أكبر من حرية التعبير، كمنصة X (تويتر سابقًا) التي يملكُها إيلون ماسك.
جريدة فيس بوك الإلكترونية
هكذا أصبح الوضع، على الأقل في وجهة نظر الكثيرين، ممن يعرفون تمامًا أن منصة فيس بوك المزعومة هي ليست بمنصة كباقي المنصات، إنما هي جريدة يرأس تحريرها مارك زوكربيرج، مُدعمًا من قِبل السُلطات الأمريكية، والداعمة بدورها للكيان الصهيوني.
لا يختلف الأمر كثيرًا بين المنصة والجريدة، فالأولى يُشارك فيها المُستخدمون آرائهم بحريةٍ دون قيود، كونها منصة مُستضيفة لحساباتهم الشخصية فقط، ولا تجرؤ على التدخل فيما يتم نشره عليها.
أما الثانية فيُشارك فيها المُستخدمون آرائهم.
فقط؟ نعم هذا فقط، وهذا ما أصبح عليه حال منصات ميتا بشكلٍ رسمي اليوم، بعدما أصبح بإمكانك نشر ما تُريد، ولكن دون أن يراه أحد، فقط، ما يُوافق عليه رئيس التحرير وأعضاء مجلس الإدارة -في قولٍ آخر، الكونغرس الأمريكي- هو ما يراه المُستخدمون.
عندما باع فيس بوك أهم ما يملُك
الحرية، هي أهم ما قد تمتلكه أية منصة، وهي أغلاه أيضًا، ولك في نقطة السعر أفضل مثال، وهو صفقة شراء منصة تويتر بقيمة 41 مليار دولار من قِبل إيلون ماسك، لم يكن هذا ثمن مُستخدمي المنصة أو برمجياتها، إنما هو ثمن شراء المنصة بقواعدها وقوانينها التي تسمح لأي شخص أيُما كان، أن يتحدث، ويُشارك.
ليس هذا الأمر هو ذاته في منصة فيس بوك، فبعد صفقتها -المُسماة اتفاقية- مع حكومة الدولة المُحتلة في عام 2016، أصبحت فلسطين تُواجه عُنفًا على أرض الواقع، وآخرًا في العالم الافتراضي.
“فيس بوك وإسرائيل يعملان على مراقبة المنشورات التي تُحرِّض على العُنف.”
كان هذا هو عنوان الخبر في صحيفة الجارديان في يوم الجمعة، الثاني عشر من سبتمبر من عام 2016، عندما اتفق كِلا الطرفين، الأمريكي والمُحتل على العمل سويًا لتحديد حالات التحريض على منصة فيس بوك، وذلك من خلال إنشاء فرق لمراقبة وإزالة المحتوى المُثير للجدل (دون توضيح ما تعنيه هذه الكلمة حينذاك)، بجانب الاتفاق مع المنصة على إزالة أي محتوى تعتبره الدولة المُحتلة تحريضيًا، وذلك، تحت ما يُسمى بمعايير المُجتمع.
يتباهى مارك زوكربيرج بقدراته البلاغية، مُستخدمًا الإيجاز في (معايير المُجتمع) بحذف (الإسرائيلي) من نهايتها.
مُنذ ذلك الوقت، وأصبحت فيس بوك هي مُجرد دار نشرٍ بمُساهمة الكُتّاب المُتطوعين، وبمراجعة ما يُنشر من قِبل رئيس التحرير وفريق المراقبة، ولا تمت لمنصات التواصل الاجتماعي بصلة.
لم يتوقف الأمر حينها على حذف المنشورات المُحرِّضة -من وجهة نظر مُمثلي الكيان الصهيوني- إنما اتجهت فيس بوك حينها إلى مُمارسة أساليب العقاب، والتي تنص على حظر المُستخدم الذي ينشُر أي شيء يخُص القضية الفلسطينية من استخدام مُميزات مُعينة في المنصة كالتعليق على المنشورات أو المُراسلة أو النشر ذاته.
طالع أيضًا: ڡلسطىں.. اصمٮ کى لا ٮعصٮ الحواررمىاٮ!
ولكن; مع تقدُّم العُمر، أصبحت هذه الوسيلة ليست كافية لإسكات داعمي القضية الفلسطينية في الوقت الحالي، لتُقرِّر ميتا (Meta) مُمارسة لعبة جديدة، ألا وهي الثواب، ويالكثرة ضعاف النفوس.
ما ستفعله ميتا الآن هو أنها ستُحفِّز جامعي اللايكات ومُحبي الظهور على استخدام المنصة في توجيه المُستخدمين للحديث عن أي شيء لا يخُص القضية الفلسطينية، وذلك من خلال ضمانها لهم بأن منشوراتهم ستكون لها الأولوية في الوصول إلى المُستخدمين (تحقيق Reach مُرتفع)، مُقارنةً بالأُخرى التي تخطت القيود بطريقةٍ ما ومازالت موجودة، ويدور فيها الحديث عن القضية الأسمى. لتُصبح فيس بوك بالفعل هي آلة نهاية العالم.
لعل هذا القرار قد جاء لما أشارت إليه الدراسة التي أُجريت بواسطة معهد رويترز – جامعة أوكسفورد عندما أُجري استطلاع على أُناس من 46 دولة على مُستوى العالم بخصوص عادات تلقيهم للأخبار، ليُؤكد 56 بالمائة منهم أنهم لم يعودوا مُتأكدين مما يتلقوا على منصات التواصل الاجتماعي، وهو رقم أعلى بـ 2 بالمائة عن نتيجة الاستطلاع ذاته في عام 2022.
كذلك، وبوجود الكثير من التقنيات في عصر “التقنية أولًا” الذي نعيش فيه، والتي تُمكنك من رسم وكتابة واختلاق أي شيء من اللاشيء، بل وأكثر من ذلك، فقد أصبح الآن واسعًا المدى استخدام مقاطع الفيديو من ألعاب الحروب وتعديلها لتُصبح أقرب إلى الواقع، مع تقليل جودتها بعض الشيء، لتُصبح مقاطعًا إما لبطولات الجيش المُحتل أو كيف يغتصب جيش الأقصى النساء ويُعذِّب الأطفال، أو هكذا يريدوننا أن نرى؟
أما الأسوأ من ذلك، فهو سبقهم بالحديث عن مقاطع الفيديو المُزيفة على شبكة الإنترنت وسرعتهم لإنشاء فرق للكشف عن الأخبار المُزيفة كـ BBC Verify التي تم إطلاقها هذا العام، أو Reuters Fact Check، وما تلبث أن تقرأ لبضعة أسطُر لتكتشف أن المُتهم بالتزييف هو نحن، الإعلام العربي والداعم للقضية للفلسطينية! فلنا الله.
ميتا، بين أوروبا وأمريكا
ليس جديدًا على مسامعك ضغط الولايات المُتحدة على منصات التواصل الاجتماعي لكبت جِماح الحرب -من وجهة نظرها -وذلك من خلال إزالة منشورات الفلسطينيين بالطبع-، ولكن ما كان جديدًا، هو الضغط الأوروبي.
بعد أيامٍ من بدأ حركة حماس بالهجوم على مُستوطنات غزة، تلقت منصات التواصل الاجتماعي بما فيها المملوكة لـ ميتا ومنصة X تحذيرًا شديد اللهجة من كِبار المُشرعين الأوروبيين، بل وأمهل الاتحاد الأوروبي منصة فيس بوك 24 ساعة فقط لتتخذ إجراءً ضد المعلومات المُضللة التي تخُص الحرب بين الفلسطينيين والقوات المُحتلة، وذلك في رسالة لكلا الشركتين (ميتا و X) من المفوض الأوروبي للسوق الداخلية، تيري بريتون قال فيها:
أذكرك أنه بعد فتح تحقيق محتمل والتوصل إلى نتيجة عدم الامتثال، يمكن فرض عقوبات.
على هذا الأساس بدأت شركة ميتا في اتخاذ الإجراءات ضد داعمي القضية الفلسطينية، وإطلاق التحديث الجديد.
يُمكنك أن ترى هذا بوضوحٍ الآن إذا ما حدثت تطبيق فيس بوك أو إنستغرام لديك، وقد شهِد هذا فريق عرب هاردوير بنفسه على منصة إنستغرام، فقد أصبح عدد مرات وصول القصص إلى المُستخدمين لا يتخطى العشرين مُشاهدة في بعض الأحيان، بعدما كان يتخطى المئات قبل التحديث الأخير.
تويتر يُقاوم
لا يقتصر الأمر على ميتا وذراعيها المقروء والمرئي، فقد انتشرت المعلومات المُضللة للحرب بين إسرائيل وفلسطين كالنار في الهشيم، ولكن; وبشكلٍ سلبيٍ أكثر، بفضل سياسات إيلون ماسك الجديدة التي تسمح لأي شخص بالدفع ليُصبح حسابه مُوثقًا، وبعدما أقال الكثيرين من الموظفين السابقين بالشركة -من بينهم مُوظفي قسم الأمان والثقة- فقد أصبح أساس المنصة هو المعلومات المُضللة، ولكن; مع حُرية نشر المعلومات الحقيقية.
ومن أجل الوصول إلى كيفية تقوم بها إسرائيل بنشر المعلومات التي تُريد، أصبحت الإعلانات المُوجهة والمُمولة هي الحل الأمثل، فتويتر لا ترفض المال، وقد شهِد فريق عرب هاردوير أيضًا بعضًا من التغريدات الإعلانية المُمولة التي تنشر صورًا ومقاطع لمشاهد من الحرب، من الجانب الإسرائيلي بالطبع، وهي لا تطلب دعمًا ماليًا أو غيره، هي فقط تُريد كسب تعاطف العالم أجمع، فقد أصبح هذا هو ما يتحكم في الحرب الآن، التعاطف، والدعم على منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما تسعى إليه إسرائيل.
في هذا السياق، تواصلت الجزيرة مع المنصة، للرد حول مقاطع الفيديو التي تُشاركها الحسابات المُوثقة على المنصة، وهي في النهاية مقاطع فيديو مُزيفة، لترد المنصة يوم الاثنين الماضي بأنه قد تم نشر أكثر من 50 مليون تغريدة على المنصة خلال الأسبوع الماضي مُنذ بداية الصراع، كما أكدت على أنها تُحاول جاهدةً حذف الحسابات المُنشأة حديثًا المرتبطة بحماس -وِفقًا للمصدر- كما حذفت عشرات الآلاف من التغريدات التي تحمل خِطاب الكراهية كما حدثت سياساتها، والتي تُحدد من خلالها المنصة ما هو “جديرٌ بالنشر.”
كل هذا جاء بعد أيامٍ من الحرب، تلك التي تلاها بيومٍ واحد تغريد إيلون ماسك على منصته ليُشجّع المُستخدمين على الثقة بالمنصة أكثر من أي منصة أُخرى، إلا أن هذه التغريدة قد حُذِفت بعد كتابتها، ولكن كان ذلك بعد وصولها لأكثر من مليون حساب.
لا يقتصر الأمر علينا
اعتدنا أن نكون نحن الكِبار وسائل قوات الاحتلال للوصول إلى التعاطف الذي تحتاجه، أما ما تفاجئنا به كان بدأ إطلاق حملاتٍ إعلانية عبر منصة البث YouTube المملوكة لجوجل، عبارة عن مقاطع فيديو تظهر تمامًا كمقاطع فيديو الأطفال، كما يظهر الإعلان بينها، ليُوجه رسالةً للآباء مُضطرين لرؤيتها لظهورها أمام ذويهم.
مضمون هذه الرسالة هو أنه كما على الآباء حماية أطفالهم، فإن قوات الاحتلال عليها حماية أطفالها، وهو ما تُحاول إسرائيل الترويج إليه بشكلٍ مُستمر ومُكثّف لتُظهِر للعالم كم أنها تتخذ الجانب الخيِّر من المعركة، بينما يقوم الآخرون بقتل “أربعين رضيعًا” -وِفقًا للمقطع- أثناء الحرب.
مما يبدو أننا أمام معركةٍ حامية على المستوى الإفتراضي، فمن هم على الأرض لن يستطيعوا بأي حالٍ من الأحوال إنهاء هذه الحرب دون تدخُلٍ من بقية الأطراف، وبينما المُقاتلون على الأرض يُحاربون، يتوارى الجبناء خلف الستار، ليستخدموا منصات التواصل الاجتماعي في الترويج لأفعالهم الوحشية بتزييف المقاطع والأخبار عن القوات الفلسطينية، لكسب التعاطف الدولي، واستحقاق ما يقومون به من مجازر وحشية على أرض فلسطين.
?xml>
Source link