أخبار محلية

(رجالة كدى) – الانتباهة أون لاين

[ad_1]

نبض للوطن
أحمد يوسف التاي

(1)
(رجالة يعني؟) هذه العبارة فقط كفيلة بإشعال غضب أغلبية السودانيين بمختلف فئاتهم العمرية،ومستوياتهم الأكاديمية، ودرجاتهم العلمية، ووظائفهم السياسية والسيادية، وهي عندهم بمثابة الوقود الذي يشعل الغضب ويشحذ( الفراسة)، ويستفز البطولة والقوة..وبإمكانك أن تأخذ من السوداني عيونه التي يبصر بها بالتي هي أحسن، ولكنك لن تأخذ منه أتفه الأشياء ولو كانت مثقال حبة من خردل إذا أعلنت أنك ستأخذها (رجالة)، وكم من صرعى سقطوا قتلى بسبب عبارة (رجالة هذه).. فما سر هذه العبارة؟!!..
(2)
نهض د. الترابي من مقعده، وعليه آثار القلق، والغضب، وهو يستقبل مكالمة ..كنتُ حينها انتظر إجراء حوار صحافي معه لصالح صحيفتي المدينة السعودية، والوطن القطرية، وكان ذلك في مارس 2004 تقريبا، فهمتُ بعد لحظات أن حملة إعتقالات شرسة طالت قيادات بارزة بالمؤتمر الشعبي،منهم د.علي الحاج، ود.هباني، الطاهرحمدون،
كمال عمر وآخرين، بتهمة السعي لتقويض النظام الدستوري وقلب الحكم، من شاكلة التهم (الجاهزة) المعدة على مقاس المعارضين..
بعد قليل تداعى من بقي من القيادات إلى مكتب الترابي ، وكان القوم وقتها يستشيطون غضبا، ويتطاير من عيونهم الشرر، ودخلوا على د. الترابي يتدبرون أمرهم، وأنا أتابع بالخارج واسمع الصياح يعلو ويهبط، والقَسَم بالطلاق يرتفع وينخفض..بعد قليل خرج أحدهم (لا أذكر اسمه) غاضبا وخرج على إثره إبراهيم السنوسي ليهديء من ثورته وهياجه، ويقول ذلك الرجل المهتاج: ( يعني شغلهم دا رجالة ولا كيف ؟هم قايلين نفسهم أرجل مننا، علي الطلاق نتحداهم رجالة كدى، والراجل اليقيف في طريقنا)..
(3)
في المنبر الاسبوعي الإعلامي بصحيفة أخبار اليوم والذي كنت أديره بمعية الأستاذ أحمد البلال الطيب في العام 2008، كان في ذلك الوقت قد فتحنا ملف الأراضي وتخطيط القرى بالريف الشمالي، وأراضي الجموعية، كان هناك فريق بالجيش، يتحدث في المنبر ويقول والله نحنا أراضينا رجالة كدى ما بنتخلى عنها، يعني شغلهم دا رجالة ولاشنو، وذكر لفظ (رجالة)، وكذلك عبارة (هم ما أرجل مننا )أكثر من مرة..
(4)
في عدد من القروبات كان أكثر ما يؤلم مستوى بعض الحوارات عندما يجنح بعض ممن نظنهم مثقفين إلى استخدام لفظ (رجالة) كمعيار للقوة والحكمة والحسم،
مثل عبارات :(إنتو كان رجال ما خليتو بيوتكم وجيتو هاربين من حميدتي)، كأنما المعيار الصحيح للقوة والصواب والحكمة أن تُبقي أسرتك تحت أزيز المدافع ،وقصف الطائرات، ورحمة المجرمين المغتصبين للأعراض والأملاك، فهذه ثقافة (الرجالة) الحمقاء التي تخالف مباديء الدين والقرآن(ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وتتعارض مع مقاصد الشريعة في حفظ النفس، الذي هو مقدم على كل شيء .. وهو حديث يضاهي تصريحات حميدتي وهو يتحدي خصومه:(الدايرنا اليبقى راجل ويقابلنا في النقعة)يعني حسم الخلاف (رجالة كدى) بالبندقية..
في كثير من الأحيان تسمع عبارة من شاكلة: ( قيادات الأحزاب ديل لو رُجال كانوا يقودوا المظاهرات، بدل ما يحرضو الشباب وهم يقعدو في بيوتهم )، يعني معيار الحكمة والقوة والصواب هو خروجهم في المظاهرات ليتعرضوا للضرب والبهدلة ليثبتوا أنهم رجال حكماء أقوياء…
(5)
بالمناسبة قبل أيام سمعتُ أحدهم يعيِّر خصمه باللجوء للمحكمة والإحتماء بالقانون، وهو يقول له:( إنتو كان رُجال ما كان بتشتكو، لو رجال كان تشيلو حقكم رجالة).. يعني الرجولة والبطولة تعني في بعض جوانبها إزدراء القانون وعدم التقيد به، وألا نلقي له بالاً…
(6)
إذن ومن خلال النماذج التي سردتها أعلاه يمكن القول أننا نحن السودانيون على مستوى قادة الأحزاب والحكومات، والمثقفين، وحملة الدرجات العلمية، ورجل الشارع العادي لدينا خلل بنيوي كبير في ثقافتنا ومفاهيمنا لمعايير القوة والحكمة والصواب،إلا من رحم ربي، وقليل ماهم، فالبعض مهما أخفي حقيقة مفهومه وثقافته، تأتي لحظة الغضب ليكشف عن مكنون تلك الثقافة المتجزرة في النفس فينزل إلى أصله الإنفعالي، ويستسلم لغضبه يحتمي بمفردة (رجالة) بمفهومها الذي يتعارض مع الدين والشريعة والقانون والحكمة والعدل والسلوك الحضاري، ويخالف الدين الذي يؤسس لمعايير القوة بالحديث الشريف:(ليس القوي بالصرعى، ولكن القوي من يتمالك نفسه عند الغضب )..
(7)
للأسف إننا على مستوى القيادات ندير إقتصادنا بالرجالة، والسياسة بالرجالة، والحرب بالرجالة ..لفظ رجالة، محرك وشاحذ للبطولة حتى عند المخنثين،كما في الطرفة التي تقول ان أحد المخنثين وكان صوته رقيقا كالنساء، اقتضى ظرف معين أن يعمل فيها راجل حتى يبعد عنه شبهة ما، ولما داهمته الشرطة، أغلظ صوته ورفعه كأصوات الرجال الفوارس، ولما خرج من عنده رجال الشرطه واعتذروا له، رمى بالعمامة بعيدا وهو يردد :(الله ينعل ابو دي رجالة قطعت نَفَسي في خمسة دقايق)…هذه الكلمة الساحرة، كم تردينا وكم تسقطنا في مستنقع الغضب، وتستفز مشاعرنا وتلهب عواطفنا، فلاتنفع في كبحها حكمة، ولا دين، لا مباديء إنسانية حتى ندفع ثمنها بعد أن تقع الفأس في الرأس…
اللهم هذا قسمي فيما أملك ..
ضع ش نفسك دائما في الموضع الذي تحب ان يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين..


اضغط هنا للانضمام لمجموعات الانتباهة على تطبيق واتساب



[ad_2]
Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى