صراع في السماء.. كيف أصبحت حرب أوكرانيا أول معركة “درونز” حقيقية في العالم؟
[ad_1]
في سماء أوكرانيا المزدحمة، تدخل الحروب الجوية حقبة جديدة، يعود هذا الأمر إلى استخدام “الدرونز” المتطورة بشكل غير مسبوق في الصراع، هنا يمكنك أن تجد مجموعات من الدرونز المزودة بكاميرات، والتي تستخدم عادة في التجسس، تصطدم ببعضها بعضا فيما يشبه أحد “الدربيات” الجوية البدائية، كما يمكنك أن تشاهد طائرة غير مأهولة متطورة للغاية تستخدم رادارا متقدما مدعوما بالذكاء الاصطناعي وأحدث تقنيات هندسة الطيران لصناعة شبكة من النيران بهدف تعطيل تحليق الطائرات المعادية. تقول “كيتلين لي”، التي تدير مركز المركبات الجوية غير المأهولة والدراسات المستقلة في معهد “ميتشل” لدراسات الفضاء في أرلينغتون بولاية فيرجينيا: “هذا شيء لم نشهده من قبل، هذه هي المرة الأولى التي نشاهد فيها الطائرات غير المأهولة تدخل إلى الصراع بشكل كامل”(1).
قوة الدرونز
المركبات الجوية بدون طيار أو “الدرونز” هي طائرات لا تحمل على متنها طاقما أو ركابا، يمكنها أن تطير لفترات طويلة بمستوى تحكم في السرعة والارتفاع. تم تطوير أول مركبات بدون طيار في بريطانيا والولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الأولى، حيث اختبرت أول طائرة مسيرة -والتي كانت عبارة عن طائرة صغيرة يتم التحكم بها عن طريق الراديو- في مارس/أذار 1917 في بريطانيا، بينما نفذت الولايات المتحدة تجاربها لأول مرة في أكتوبر/ تشرين الأول 1918، وعلى الرغم من أن كلتيهما أظهرتا نتائج واعدة في اختبارات الطيران، فإنهما لم تُستخدَما عمليا أثناء الحرب.
خلال فترة ما بين الحربين، استمر تطوير الطائرات بدون طيار واختبارها. في عام 1935 أنتج البريطانيون عددا من الطائرات التي يتم التحكم بها عن بُعد، ويُعتقد أن مصطلح “الدرون” بدأ استخدامه في هذا الوقت، ونُشرت طائرات الاستطلاع بدون طيار لأول مرة على نطاق واسع في حرب فيتنام، وبعد ذلك بدأت دول أخرى خارج بريطانيا والولايات المتحدة في استكشاف تكنولوجيا الطائرات دون طيار. أصبحت النماذج الجديدة أكثر تعقيدا، مع تحسين القدرة على التحمل والقدرة على الحفاظ على ارتفاع أكبر أثناء الطيران.
منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، زادت الولايات المتحدة الأميركية بشكل كبير من استخدامها الطائرات دون طيار، استُخدِمت هذه الطائرات في الغالب للمراقبة في المناطق ذات التضاريس الوعرة التي لا تستطيع القوات الذهاب إليها بأمان، واستُخدمت لاحقا بوصفها سلاحا مقاتلا غير أن ذلك تسبب في مشكلات كثيرة أبرزها الاستهداف الخاطئ(2). فمثلا استهدفت إحدى الغارات التي نفذتها الولايات المتحدة الأميركية خلال أغسطس/ آب 2021 في أفغانستان عن طريق الخطأ رجلا بريئا وأفراد عائلته التسعة الذين كان بينهم 7 أطفال(3)، لكن مثل هذه الحوادث والتساؤلات الأخلاقية لم توقف استخدام الدرونز ولا تطويرها.
بداية جديدة من سماء أوكرانيا
في يوم السبت 29 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2022، تعرّض الأسطول الروسي في البحر الأسود بالقرب من سيفاستوبول لهجوم بواسطة 16 طائرة بدون طيار. يُعتقد أن أوكرانيا هي التي شنت هذا الهجوم، ولا أحد يعرف حجم الضرر الذي نتج عنه، لكن مقطع الفيديو الذي صورته الطائرات دون طيار المهاجمة أظهر أن السفن لم تكن قادرة على تجنب التعرض للضرب. ردّا على ذلك الهجوم وغيره من الهجمات الناجحة، أطلقت روسيا عشرات الصواريخ والطائرات دون طيار من طراز “شاهد-136” إيرانية الصنع استهدفت أنظمة الكهرباء والمياه في جميع أنحاء أوكرانيا.
في الواقع، فإن جزءا كبيرا من الصراع في أوكرانيا قد دار إلى حد كبير في الجو، باستخدام القذائف الصاروخية وصواريخ كروز، بالإضافة إلى الاعتماد بشكل متزايد على استخدام الطائرات دون طيار(4). بدأت المعارك الأولية للطائرات دون طيار من خلال نشر الطائرات المتاحة تجاريا، والتي تتميز بكونها منخفضة التكلفة، وهي ذات ارتفاع منخفض، مثل طائرات “كوادكوبتر”، وهي طائرة مزودة بكاميرا ويعتمد تصميمها على 4 مراوح أفقية، تُستخدم لدفعها في الهواء، وتجعلها تتمكن من الإقلاع والهبوط عموديا(5).
في العادة، لا تعد هذه الطائرات الصغيرة مصدر قلق كبير ويمكن بسهولة إعادة تدريب الدفاعات الجوية للبحث والعثور على الأجسام الطائرة الصغيرة، ولكن الجانب السلبي هنا أنها ستلتقط بعد ذلك كل طائر يطير حولها، ما يخلق العديد من الإنذارات الكاذبة. التحدي الآخر الذي تخلقه هذه الطائرات الصغيرة دون طيار هو أنها متاحة الآن على نطاق واسع ورخيصة بما يكفي لتُشترى بكميات كبيرة. وعلى الرغم من أن هذه الطائرة المعدلة للقتال ليست قادرة على التسبب في دمار هائل، فإن عدد الأهداف الحيوية التي يُحتمَل أن تكون معرضة للخطر لا حصر لها تقريبا، يتيح ذلك لمجموعة ذات موارد أقل مهاجمة عدو أكثر قوة(1).
مؤخرا، حضرت على الجانب الروسي نسخة من الدرونز الأكثر تطورا وهي مسيرات شاهد الإيرانية. تُستخدم هذه المسيرة المثلثة ذات المروحة الدافعة لتحقيق أهداف معينة، وعادة ما تُطلق في مجموعات مكونة من 5 طائرات، صحيح أنه قد يكون من السهل نسبيا تدميرها، لكنك لن تتمكن من تدميرها إلا إن تمكنت من العثور عليها، وهنا تكمن الصعوبة، حيث تطير الطائرات دون طيار على ارتفاع منخفض وبطيء بما يكفي ليخطئ الرادار في تحديدها ويعتبرها طيورا مهاجرة.
حينما تُطلَق هذه الطائرات على دفعات، كما يفعل الروس، فإن هذا يزيد من قدرة بعضها على التهرب حتى من أفضل الدفاعات لإحداث أضرار جسيمة. في أكتوبر/ تشرين الثاني عام 2022، قدّرت أوكرانيا أنها أسقطت 70% أو أكثر من الطائرات الصغيرة دون طيار، لكن النسبة المتبقية كانت كافية لإضعاف واستهداف الشبكة الكهربائية في البلاد(4).
يقول مسؤولو المخابرات إن روسيا أرسلت 400 طائرة دون طيار هجومية إيرانية الصنع إلى سماء أوكرانيا منذ أغسطس/ آب وحتى نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2022. على الرغم من أن هذا الرقم يعتبره المسؤولون صغيرا مقارنة بآلاف الصواريخ التي تقصف البلاد، فإن اعتراض الطائرات دون طيار التي تحلق في مجموعات قد يكون أكثر صعوبة، كما أن تكلفة تصنيع الطائرات دون طيار أقل ويمكن إرسالها بأعداد متزايدة باستمرار.
بحلول أوائل نوفمبر، كانت أوكرانيا بالفعل معرضة لخطر نفاد صواريخ الدفاع الجوي اللازمة لمكافحة هذه الطائرات. في حديثه آنذاك قال نائب رئيس الوزراء الأوكراني “ميخايلو فيدوروف”: “خلال الأسبوعين الماضيين، زاد اقتناعنا بأن حروب المستقبل ستكون قائمة على استخدام الحد الأقصى من الطائرات دون طيار والحد الأدنى من البشر”(4).
من جانبها، تستخدم أوكرانيا العديد من الدرونز في الحرب، في مقدمتها مسيرات بيرقدار التركية، لكنها لا تكتفي بذلك حيث قطعت كييف شوطا على صعيد توظيف الذكاء الاصطناعي في عمليات الدرونز، وهو ما قد يُشكل صفحة جديدة تماما فيما يخص الحروب الجوية. وفقا لواشنطون بوست، ففي حقل اختبار مفتوح في ريف أوكرانيا، فقدت طائرة دون طيار مزودة بقنبلة الاتصال بمشغلها البشري بعد تعرضها لهجوم بواسطة معدات تشويش إلكترونية، ولكن بدلا من الاصطدام بالأرض، تسارعت الطائرة دون طيار نحو هدفها ودمرته.
تجنبت هذه الطائرة مصير الآلاف من الطائرات الأخرى غير المأهولة في هذه الحرب من خلال الاعتماد على برنامج ذكاء اصطناعي جديد يأخذ في الاعتبار التداخل الإلكتروني، ما أدى إلى استقرار هذه الطائرة دون طيار وإبقائها مغلقة على هدف محدد مسبقا. تساعد قدرات الذكاء الاصطناعي الطائرة دون طيار على إكمال مهمتها حتى لو تحرك هدفها، وهو ما يمثل تطورا كبيرا في مجال استخدام الطائرات دون طيار التي تتبع إحداثيات محددة.
تُعدّ تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي هذه، التي يجري تطويرها من قبل عدد متزايد من شركات الطائرات دون طيار الأوكرانية، واحدة من العديد من القفزات المبتكرة الجارية في سوق الطائرات دون طيار المحلي في كييف. إن التحسينات في السرعة ومدى الطيران ومقدار الحمولة وغيرها من القدرات لها تأثير فوري على ساحة المعركة، ما مكّن أوكرانيا من تدمير المركبات الروسية وتفجير مراكز المراقبة وحتى تدمير أجزاء من جسر القرم الشهير(6).
لم تكن أوكرانيا قطّ بيئة لابتكار الطائرات دون طيار، ومع ذلك فقد حوّلت مقتضيات الحرب البلاد إلى مختبر فائق لتطوير الدرونز، اجتذبت هذه البيئة الاستثمارات من رجال الأعمال البارزين، بما في ذلك الرئيس التنفيذي السابق لشركة جوجل “إريك شميدت”. الآن تشارك أكثر من 200 شركة أوكرانية جنبا إلى جنب مع الوحدات العسكرية على الخطوط الأمامية لتعديل الطائرات دون طيار وتعزيزها لتحسين قدرتها على القتل والتجسس على العدو(6).
خلال يونيو/ حزيران الماضي، أشار تقرير نُشر عبر صحيفة “لوموند (lemonde)” الفرنسية إلى أن روسيا وأوكرانيا قد أخذتا حرب الطائرات دون طيار إلى نطاق “غير مسبوق”. أوضح التقرير أنه، منذ بداية الغزو الروسي، استخدم الجيشان عدة مئات من الطائرات دون طيار يوميا. ووفقا لتقرير نشره المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) في 19 مايو/أيار، وهو مركز أبحاث بريطاني متخصص في قضايا الدفاع، فإن الجيش الأوكراني يخسر الآن نحو 10 آلاف طائرة دون طيار شهريا في ساحة المعركة، أو أكثر من 300 طائرة يوميا. يوضح التقرير أن هذا الرقم الهائل غير مسبوق في تاريخ الصراع العسكري الحديث. على سبيل المقارنة، يمتلك الجيش الفرنسي حاليا ما يزيد قليلا عن 3 آلاف مركبة جوية دون طيار (UAVs) في ترسانته(7).
التطور “الكابوسي”
لسنوات عديدة، توقع الإستراتيجيون العسكريون تطور الحروب الجوية ووصولها إلى ما يسمى بـ”أسراب الطائرات دون طيار”، وهي عبارة عن مجموعة كبيرة من آلات الطيران الصغيرة التي من شأنها أن تبشّر بعصر جديد من الحرب الذكية.
في سرب الدرونز، تماما كما هو الحال في سرب الحشرات أو الطيور، تفكر كل طائرة دون طيار وحدها، وتتواصل مع الأخريات، وتشارك المعلومات حول موقعها في السرب والبيئة المحيطة والتهديدات المحتملة وما يجب فعله حيال هذه التهديدات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتغييرات في الاتجاه أو التغييرات في تكوين السرب.
أفاد “ديفيد هامبلينج”، في كتابه الصادر عام 2015 بعنوان “Swarm Troopers”، أن مهندسي البرمجيات تمكنوا بالفعل من محاكاة تلك الأسراب الكبيرة في الطبيعة من خلال برمجة الطائرات دون طيار بثلاثة تعليمات بسيطة: الانفصال وتجنب الاصدام والحفاظ على حد أدنى معين من المسافة عن الآخرين، والمحاذاة أو البقاء على المسار نفسه مع المحيطين، والتماسك أو محاولة التحرك نحو الموضع المتوسط لجارك. بناء على هذه التعليمات الثلاثة، ستتحرك أسراب الطائرات دون طيار في السماء وتتمكن من العمل بصفتها كيانا واحدا.
ربما تُنشَر هذه الطائرات على نطاق واسع في البداية، حتى لا يلتقطها الرادار، ثم تتقارب نحو هدف محدد في اللحظة الأخيرة. سيكون السرب قادرا على الرد على التهديدات دون تدخل بشري، وذلك من خلال تغيير المسار أو السرعة أو الارتفاع، هذا بالإضافة إلى أن الآلات لا تثبط عزيمتها ولا تتقهقر وتعود إلى الوراء.
صحيح أن الطائرات دون طيار التي استخدمها الجانبان في أوكرانيا ما زالت بعيدة كل البعد عن هذا التصور الكابوسي، إلا أن بينديت يوضح قائلا: “هذه هي الكأس المقدسة…، هذا ما يعمل الجميع من أجل تحقيقه، وأعني بالجميع الدول المتقدمة والجيوش المتقدمة التي تأمل الاستفادة من تقنيات السرب. لذا، فإن القائمة قصيرة، لكنها تنمو ببطء. بالطبع تتكون القائمة من الولايات المتحدة وإسرائيل والصين وروسيا وتركيا وإيران، وربما حفنة من الدول الأخرى مثل الهند وكوريا الجنوبية”(8).
————————————————————————————–
المصادر:
1- Drone-on-Drone Combat in Ukraine Marks a New Era of Aerial Warfare
2- A Brief History of Drones
3- Understanding Drones
4- The Tiny and Nightmarishly Efficient Future of Drone Warfare
5- “كوادكوبتر” طائرة الاغتيال والتجسس
6- The war in Ukraine is spurring a revolution in drone warfare using AI
7- Russia and Ukraine take drone warfare to unprecedented scale
8- Air Force Wants More Planes Faster—Plus a Thousand Drone Wingmen
Source link