أخبار العالم

بين 11 سبتمبر الأميركيّ والإسرائيليّ | آراء

[ad_1]

أُرِيد لـ “طوفان الأقصى” أن يتحوّل -من اليوم الأوَّل- إلى 11 سبتمبر جديدة لخلق المبرّر السياسي والأخلاقي، لإسرائيل والولايات المتّحدة وبعض الحكومات الغربية، للإجراءاتِ التي سيتمُ اتخاذُها من قصفٍ للمدنيين، وغزو لغزّة، والقضاء على حماس وحكمها، ودعمٍ عسكري أميركي غير مسبوق، ورجوع القوّات للمنطقة، وإنفاقٍ لأموال دافعي الضرائب الأميركيين، وحشد الدعم الشعبيّ ومن الحكومات الغربية وراء إسرائيل، والأهمّ هو إذكاء نار الصراع الحضاري مع العالم الإسلاميّ الذي خفتت حدّته بعد الإعلان عن انتهاء حقبة سبتمبر.

عقب الانسحاب الأميركي من أفغانستان 2021، كان من المسلَّم به في 2001 أن تدافع الولايات المتحدة عن نفسِها ضد الهجمات الإرهابية التي شنّتها القاعدة، ومن خلال القيام بذلك، تمكّنت من الاعتماد على الدعم الرمزي والمادي من العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم. هكذا كان الهدف من 11 سبتمبر الإسرائيلي.

لكن ما أوجه الشبه والاختلاف بين الحدثَين برغم الاشتراك في أهداف التوظيف؟ سؤال آخر: هل نحن بصدد تدشين حِقبة جديدة لسبتمبر تفرض سماتها وخصائصها على عَلاقة العالم الإسلامي بالغرب، أم نحن بصدد حدث مفصليّ في هذه العَلاقة يمكن احتواء تداعياته؟

سبتمبر الإسرائيلي.. استعارة تمثيليَّة

أحدُ أوجه التّشابه هنا، هو بطبيعة الحال الفشلُ الاستخباراتيّ الصارخ للكيان الصهيونيّ، وقيام مجموعة محدودة القدرات والإمكانات بإلحاق ضرر كبير بقوّة لا تقارن معها بأية حال؛ وهو ما أطلق عليه: “قوة الضعف، وضعف القوّة”. صدمة طوفان السبت7  أكتوبر أفسحت المجال للغضب الإسرائيلي، كما الأميركي في سبتمبرها -وهو خطر على إسرائيل – كما يرى بايدن- كما كان على أميركا؛ وإن تمّ تداركه لاحقًا. أمضت الولايات المتحدة عقدَين في محاربة حركات لا دول، كما تفعل إسرائيل منذ خمسين عامًا، أي منذ حرب أكتوبر 1973 التي كانت آخر الحروب النظامية معها.

إنّ ما حدث في إسرائيل يبدو وكأنه أريد له أن يكون أحداث 11 سبتمبر أخرى، ليس فقط بسبب عدد القتلى الكبير، ولكن لأن هذه الأعمال تبدو مقدرةً من حماس لزعزعة استقرار وإرباك المجتمع الأوسع. فقدت الولايات المتحدة في حقبة سبتمبر قدرًا كبيرًا من الثقة بسبب الغطرسة والعمل الأحادي الجانب، وتجاهُل القانون الدولي، وجرائم الحرب التي لم تحاسَب عليها حتى الآن. واضح أنّ إسرائيل تسير في الطريق نفسه برغم التحذيرات التي تلقتها من الرئيس الأميركي.

حذَّر بايدن إسرائيل من الردّ العاطفيّ على أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل؛ أي القيام بغزو بريّ وجويّ واسع النطاق واحتلال غزة، مذكّرًا إياها بتجاوزات الولايات المتحدة بعد 11 أيلول/سبتمبر. الولايات المتحدة، بعد عقدَين من الحروب الفاشلة، تعرف هذه الحقيقة أفضل من غيرها، ويتعيّن عليها اليوم أن تمنع حليفتها من الوقوع في الفخِّ نفسِه.

وكما قِيل على سبتمبر الأميركي: إنّه “اليوم الذي سوف ننظر فيه إلى الوراء، ونقسّم الأوقات قبله وبعده”، فإني أعتقد أنّ هذا ما ينطبق على إسرائيل والمِنطقة أيضًا. الحدث ممتد زمنيًا، وستتّسع تداعياته مستقبليًا. سبتمبر الأميركي أظهر لاحقًا قوى مضادة للنفوذ الأميركي العالمي كروسيا والصين، وأعطى قوةَ دفع كبيرةً لتنظيم الدولة الإسلامية. سبتمبر الإسرائيلي سيكون الشرارة التي سينطلق منها مسارٌ جديدٌ لعدم الاستقرار في المِنطقة، ومن الألم الراهن ستنطلق قوى مضادّة للنفوذ الغربيّ.

يمكن القول: إنّ حديث الأهداف وإعلان النصر في الحملتَين، وما يرتبط بهما من عقيدة قتالية يستدعي نقاشًا معمقًا.

العقيدة القتاليّة

هل هي هجومية أم وقائية؟، وهل هي حرب على جماعات غير حكومية منتشرة في أنحاء كثيرة، أم مواجهة لتمرُّد له حاضنة اجتماعية تدعمه وتحميه؟ سؤال آخر: هل تستطيع الولايات المتحدة أن تدعي أنّها انتصرَت في الحرب على الإرهاب، بينما خسرت حربَي أفغانستان والعراق؟

الإجابة مركَّبة، فهي انتصرت حين منعت هجومًا إرهابيًا واسعًا على الأراضي الأميركية، وقلّلت ضحاياه من الأميركان إلى حدّ كبير، ولكن هذا وجه من وجوه النصر التي لا يمكن الجزم به دون حديث عن التكلفة والتداعيات.

استندت حملات الولايات المتحدة الواسعة في أفغانستان والعراق إلى عقيدة وقائيّة، كما قال بوش في عام 2007: “سنقاتلهم هناك حتى لا نضطر لمواجهتهم في الولايات المتحدة الأميركية”، وهو نفس ما أسّس عليه بايدن موقفه، كما ظهر في خطابه يوم الخميس 19 أكتوبر، حيث إنّ الأمن للأميركيين يتحقّق بالردع في الخارج. قال بايدن: “التحالفات الأميركية هي ما يبقينا في أميركا آمنين”، وأضاف: “إنّ تعريض كل ذلك للخطر، إذا انسحبنا من أوكرانيا، وإذا أدرنا ظهرنا لإسرائيل، فإنَّ الأمر لا يستحقّ كل هذا العناء”.

لكن ما يجعل الحرب على “الإرهاب” مختلفة عن الحروب الأخرى، هو أنّ النصر لم يكن قائمًا على تحقيق نتيجة إيجابية.  كان الهدف منع الهجمات. في هذه الحروب؛ لا يأتي النصر عندما تدمّر جيش خصمك أو تستولي على عاصمته، كما جرى في الحرب العالمية الثانية (1939-1945)؛ لكن يحدث هذا عندما لا يحدث شيء.

شهد سبتمبر الأميركي تراجعًا للديموقراطية وتحالفًا مع المستبدّين في المنطقة لمواجهة الإرهاب، وأظن -من قراءة موقف بعض الدول العربية- أنّ هذا الحلف سيتّسع لمواجهة المقاومة. الحلف القادم هو حلف المستبدّين والمطبّعين الذي سيجمع بين الاستبداد ومناهضة المقاومة

كيف إذن يعلن النصر؟

نصر إسرائيل يتحقّق بالقضاء على حماس في غزة، وتنصيب سلطة تمنع إمكانية تَكرار الهجوم عليها مرة أخرى، واستعادة الردع الذي تهاوى مع بدء “طوفان الأقصى”. يبقى السؤال، وماذا عن استمرار المقاومة، ما دام لم يحصل الفلسطينيون على حقوقِهم المشروعة؟ وماذا عن الداعمين لهم من الفلسطينيين والعرب والمُسلمين؟ وماذا عن الدوائر الأكثر اتساعًا من المساندين في كثير من أنحاء العالم -خاصة في الغرب- التي تدعم حكوماتها إسرائيل؟

مع “طوفان الأقصى”، فشل الغرب في كسب العالم الإسلاميّ، كما فشل من قبل في حقبة سبتمبر، كما ثبَت فشل قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على بناء الدول بعد هدمها وتغيير الأنظمة من الخارج، كما ستفشل إسرائيل في فرض نظام جديد في غزة، لم يفلح كرازاي الأفغاني، كما أظنُّ ألَّا ينجح أيضًا “كرازاي الفلسطيني” حتى وإن أحكمت إسرائيل قبضتَها على القطاع.

تُجبر الحرب بين حماس وإسرائيل إدارة بايدن على إرسال المزيد من القوّات والقدرات العسكرية إلى المنطقة، ما يعيد مرَّة أخرى تركيز السياسة الأميركيّة تجاه الشرق الأوسط، في وقت كانت تأمل فيه التركيز على التهديدات المحتملة من الصين وروسيا. خوفًا من احتمال اتساع نطاق الصراع الذي أشعله هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، واحتمال توسع الحرب وتورط حزب الله في لبنان؛ أعادت إدارة بايدن في الأسابيع الماضية تثبيت بعض من تواجدها العسكري في المنطقة.

ورغم أن عمليات النشر الأميركية الأخيرة للأصول البحرية وأسراب المقاتلات وقوات الدعم كان المقصود منها أن تكون مؤقتة؛ فإن الأزمة لا تبدو قصيرة الأمد. وقد يجبر هذا الصراع الولايات المتحدة على إعادة التفكير في كيفية استخدام قواتها العسكرية في الشرق الأوسط، وهو يشكل اختبارًا لكيفية استمرار البنتاغون في دعم أوكرانيا، وكيفية التعامل مع الصين، التي وصفتها وزارة الدفاع بأنها أولويتها القصوى على المدى الطويل.

يقول بعض القادة العسكريين الأميركيين السابقين: “إنَّ الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط تعني أنّ الولايات المتحدة بحاجة إلى الحفاظ على وجود يومي أكبر، خاصة مع التركيز على طهران”. بدأت سبتمبر 2011 بغزو أفغانستان والقضاء على حكم طالبان، ولكنها لم تتوقف على مدار عشرين عامًا، فبعد سنتين فقط كان غزو العراق، واتسعت عملياتها لتشمل بلدانًا عديدة أخرى مثل اليمن والصومال …إلخ. من المتوقع، بعد أن تنتهي إسرائيل وحلفاؤها من الحكومات الغربية وبتواطؤ بعض الحكومات العربية من حماس في غزة، أن يمتد صراعها مع ما يطلق عليه “محور المقاومة” في المنطقة ليشمل جميع أطرافه.

شهد سبتمبر الأميركي تراجعًا للديموقراطية وتحالفًا مع المستبدّين في المنطقة لمواجهة الإرهاب، وأظن -ومن خلال قراءة موقف بعض الدول العربية- أنّ هذا الحلف سيتّسع ليضمّ بين جنباته أيضًا المقاومة. الحلف القادم هو حلف المستبدّين والمطبّعين الذي سيجمع بين الاستبداد ومناهضة المقاومة.

في سبتمبر الأميركي شهدنا تحميل العالم الإسلامي المسؤولية عن الإرهاب. مع الإسرائيلي نشهد مسؤولية الفلسطينيين عن حماس. اعتبر الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ جميع الفلسطينيين مسؤولين عما قامت به حماس. قالَ: “من الواضح -وبشكل لا لبسَ فيه- أنَّ هناك أُمّة كاملة تتحمل المسؤولية” عن هجوم حركة حماس، وأنه “ليس صحيحًا أن المدنيين غير ضالعين في الأمر”.

من أنواع الاستعارة في الأدب العربي -التي هي تشبيه بليغ حذف أحد طرفَيه (المشبه والمشبه به). أوجه التشابه في الاستعارة التمثيلية مركَّبة وليست بسيطة، لكن لفظة التمثيلية تفيد -أيضًا- المعنى الدارج لدى المصريين الذي يشير إلى الزيف وغير الحقيقي؛ فأنت تمثل عليّ بمعنى أنك لا تقول الحق. 11 سبتمبر الإسرائيلي استعارة مضللة في كثير من جوانبها لوجود اختلافات جوهرية، وهو ما أخصص له مقالي القادم.

[ad_2]
Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى