اقتربت من بلوغ مستويات تاريخية.. ما مخاطر الانبعاثات الكربونية؟ – التلوث البيئي
[ad_1]
زاهر هاشم
يُتوقَّع أن تبلغ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية أعلى مستوياتها على الإطلاق هذا العام، حسب تقرير صدر مؤخراً عن مركز أبحاث المناخ في النرويج (CICERO). ووفق الباحثين المشاركين في هذا التقرير، تُوضّح هذه التوقّعات حجم التحدّيات القائمة أمام المجتمع الدولي للحد من تغيّر المناخ.
ويرجّح غلين بيترز، كبير الباحثين في المركز الذي نشر الدراسة، ألّا تنخفض الانبعاثات في عام 2023، مضيفاً أنّ التوقعات الحالية تشير إلى أنّ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن وسائل النقل والكهرباء والتدفئة وإنتاج الغذاء سترتفع بنسبة متراوحة بين 0.5% و1.5%.
ووفق الباحث فإنّ الوصول إلى مسارات تتوافق مع أهداف اتفاقية باريس للمناخ يتطلّب انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية بنحو 5% هذا العام.
تغيّر المناخ والاحتباس الحراري
يَنتج تغيّر المناخ عن ارتفاع درجة حرارة الأرض بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، إذ تتشكل قرب سطح الأرض طبقة “الغازات الدفيئة”، وتشمل ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز والأوزون وبخار الماء.
ويعتبر ثاني أكسيد الكربون أهم الغازات الدفيئة على كوكب الأرض، وهو مسؤول عن نحو ثلثَي التأثير الحراري الإجمالي لجميع الغازات الدفيئة الناتجة عن النشاط البشري.
ويتشكّل ثاني أكسيد الكربون أساساً انطلاقاً من قطاعات الصناعة والنقل وإنتاج الطاقة، وهي القطاعات المعتمدة بشكل كبير على إحراق الوقود الأحفوري كالنفط والفحم والغاز، ما يُنْتِج كميّات كبيرة من الانبعاثات الكربونية.
ويمتص ثاني أكسيد الكربون الحرارة ويحوّلها إلى أشعة، على عكس الأوكسجين أو النيتروجين الذي يشكل معظم غلاف الأرض الجوي.
كما تمتصّ الغازات الدفيئة الحرارة المنعكسة من سطح الأرض وتعيد إطلاقها في جميع الاتجاهات، بما في ذلك نحو سطح الأرض أيضاً.
هذه الظاهرة طبيعية وضرورية لاستمرار الحياة على “الكوكب الأزرق”، فمن خلال حبس حرارة الشمس أبقت الغازات الدفيئة مناخ الأرض صالحاً للسكن بالنسبة إلى البشر وملايين الكائنات الأخرى.
ومن دون ثاني أكسيد الكربون سيكون تأثير الاحتباس الحراري الطبيعي للأرض أضعف من أن يحافظ على متوسط درجة حرارة سطح الكوكب فوق درجة التجمد.
لكن هذه الغازات أصبحت اليوم غير متوازنة، ومع إضافة مزيدٍ من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي من قِبَل الإنسان، ارتفع تأثير الاحتباس الحراري إلى حدود غير طبيعية، تتسبّب في ارتفاع درجة حرارة الكوكب، وتُغيّر أنماط المناخ والطقس على مدى سنوات طويلة.
مسؤولية بشرية
وحسب تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ فإنّ انبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن الأنشطة البشرية مسؤولة عن ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.1 درجة مئوية تقريباً منذ بدء عصر الصناعة منتصف القرن التاسع عشر.
كما من المتوقع أيضاً أن تصل درجة الحرارة العالمية على مدى السنوات العشرين المقبلة إلى 1.5 درجة مئوية في المتوسط، وقد تتجاوزها.
ويُظهِر التقرير أنّ ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار درجتين مئويّتين يعني أنّ درجات الحرارة القصوى ستصل في كثيرٍ من الأحيان إلى عتبات التحمل الحرجة بالنسبة إلى الزراعة والصحة.
ولمواجهة الآثار السلبية لتغيّر المناخ تبنّت دول العالم اتفاق باريس خلال مؤتمر COP21 عام 2015، الذي يهدف إلى الحدّ بشكلٍ كبيرٍ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، بالتزام جميع الدول الموقّعة خفض انبعاثاتها.
وحدّدت الاتفاقية هدفاً يتمثّل في الحدّ من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين، ولتحقيق هذا الهدف الطموح يجب خفض الانبعاثات بنسبة 45% بحلول عام 2030، والوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050.
كيف تؤثر انبعاثات الكربون في البيئة؟
ينتج عن انبعاثات الكربون وغيره من الغازات الدفيئة آثار بيئية وصحيّة طويلة المدى، فضلاً عن أنّها السّبب المباشر في تغيّر المناخ.
وتترك هذه الانبعاثات آثاراً كبيرة في صحة الإنسان، إذ تساهم في زيادة الأمراض التنفسيّة الناتجة عن الضباب الدخاني الملوِّث للطبيعة، والناتج عن عوادم المصانع ووسائط النقل ومحطات إنتاج النفط وتكريره ومحطات إنتاج الطاقة.
وحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية يعيش نحو 99% من سكّان العالم في أماكن لا تفي بالمستويات الضرورية لنوعية الهواء الصحي.
ويُؤدّي تلوث الهواء إلى نحو 4,2 مليون حالة وفاة مبكرة سنوياً عبر العالم، إذ يتسبّب في الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية وأمراض الجهاز التنفسي وأنواع السرطان.
ويترتّب عن تغيّر المناخ عواقب مدمّرة على الإنسان والزراعة وإمدادات المياه والنقل والمجتمعات الساحلية والاقتصاد والطاقة والنظم البيئية.
ويشهد جميع مناطق اليابسة تقريباً مزيداً من موجات الحرّ بسبب تغيّر المناخ، كما يتعرض 30% من سكان العالم لموجات حرارة قاتلة لأكثر من 20 يوماً في السنة.
وأدت موجات الحر الشديد صيف 2022 إلى وفاة أكثر من 60 ألف شخص في أوروبا، كما تزداد فرص اندلاع حرائق الغابات بسهولة أكبر، وتنتشر الحرائق بسرعة عندما تكون الأجواء أكثر سخونةً.
ويتسبّب تغيّر المناخ بظواهر طقس متطرفة أيضاً، مثل الفيضانات المفاجئة والعواصف المدمرة، كما يُسبِّب ارتفاع درجات الحرارة زيادة في معدلات التبخر، وبالتالي تشكل السحب التراكمية ارتفاعات عالية تتسبب بمزيدٍ من العواصف المدمّرة التي أصبحت أكثر تكراراً في أنحاء العالم.
أزمات جفاف ومجاعة
ويؤدي تغيّر المناخ إلى ندرة المياه، وزيادة مخاطر الجفاف، ويؤثّر بالتالي في النظم البيئية والمحاصيل الزراعية.
وتُؤثر ندرة المياه في صحة الإنسان واحتياجاته إلى النظافة والشرب، إضافةً إلى أمراض خطيرة لدى الأطفال والمسنّين، كما يهدّد نقص موارد المياه باتساع رقعة الصحارى على حساب الأراضي الزراعية.
ويؤدي تغيّر المناخ أيضاً إلى ارتفاع درجة حرارة المحيطات، وتعريض الحياة البحرية والشعاب المرجانية للخطر نتيجة زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون، وتصبح البحار أكثر حمضية.
ويهدّد ارتفاع حرارة المحيطات بذوبان الصفائح الجليدية في القطبين الشمالي والجنوبي، وبالتالي ارتفاع مستوى سطح البحر في المدن الساحلية والدول الجُزُرية والأرخبيلات.
وللتغيّرات المناخية تأثير مباشر في حياة البشر، متسبّبة في نقص الموارد الغذائية وارتفاع معدلات الجوع وسوء التغذية حول العالم، وذلك بسبب تدمير المحاصيل والثروة الحيوانية وانخفاض مردودها وتراجع نوعيتها بسبب الإجهاد المائي والحراري.
كما يترتّب عليها زيادة عوامل الفقر والنزوح والتهجير القسري وفقدان الأحياء والمنازل في المدن التي تتأثر بالسيول والفيضانات.
وقد يشكل ارتفاع درجات الحرارة بيئة خصبة لظهور أنواع جديدة من الفيروسات والبكتريا والحشرات، وتأمين بيئة تكاثر مناسبة لها، وهو ما يعرض صحة الإنسان لأمراض خطيرة، ويصيب المحاصيل والثروة الحيوانية بآفات جديدة.
الحل في الطاقة النظيفة
لا تزال الالتزامات التي تعهدت بها حكومات العالم حتى الآن أقل بكثير مما هو مطلوب لتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة، وتحقيق أهداف اتفاقية باريس.
ويعود ذلك إلى استمرار اعتماد الدول الصناعية الكبرى على طاقة الوقود الأحفوري، وصعوبة إزالة الكربون من الغلاف الجوي.
لكن نمو الطاقة النظيفة والمتجدّدة في السنوات الأخيرة يُبقي على بعض الأمل في الوصول إلى الهدف المنشود، وفق تقرير صدر مؤخراً عن الوكالة الدولية للطاقة.
ويُحدّد التقرير مساراً عالمياً للحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية في المتناول، مبيناً أنّ النمو القياسي في قدرات الطاقة الشمسية ومبيعات السيارات الكهربائية يتماشى مع المسار نحو صافي الانبعاثات الصفرية على مستوى العالم بحلول منتصف القرن، وهذا أمر مهم، لأنّ هاتين التقنيتين وحدهما تحققان ما يناهز ثلث انخفاض الانبعاثات حتى عام 2030.
TRT عربي
Source link