أخبار محلية

قبسات من الوعي الثوري في الرسالة المحمدية

[ad_1]

قبسات من الوعي الثوري في الرسالة المحمدية
عثمان جلال

عثمان جلال يكتب/

 

(١)
القيمة الثورية الاولى تتجلى في ان الرسل عموما اول من جاءوا بفكرة الدولة والتعاقد ، ففي المسيحية كانت الدولة الرومانية وقوانينها سابقة على الدين، اما في الاسلام فان الدين هو الاصل والدولة ثمرة غرس الدين، ومن هنا شاعت مقولة ان موسى جاء بشريعة العدل وعيسى بالفضل والرسالة المحمدية جمعت بين العدل والفضل ، ولذلك فان رسالة موسى وعيسى لم يتحقق كمالهما الا في الاسلام الرسالة الخاتمة، وختم الرسالة المحمدية دلالة على نقل القيادة من الفرد المعصوم الى الامة المعصومة ويؤكد ذلك ما قاله العباس لعلي ابن ابي طالب قبل انتقال النبي صلى الله عليه وسلم للرفيق الاعلى: ادخل اليه واسأله هل الامر إلينا فإني اعرف الموت في وجوه بني عبد مناف ، فقال له علي :والله لا أساله ولو قال لا لمنعنا لها العرب ابد الدهر .
(٢).
كما ان الخلافة لا تورث لبني هاشم ، فهي ايضا لا تورث لبني زهرة ، وبني النجار الذين يتحدرون من اليمن ، وفي القصة اللطيفة انه لما جاء وفد كندة من اليمن قال الاشعث بن قيس : يارسول الله نحن بنو آكل المرار وانت ابن آكل المرار ، والتقط النبي الرسالة واستدرك بذكاء وتبسم وقال للحاضرين : ناسبوا بهذا النسب العباس بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث وكانا تاجرين واذا شاعا في بعض بلاد العرب فسئلا من هما ؟ قالا نحن بنو آكل المرار يتعززان بذلك. واول من لقب بذلك هو حجر بن عمرو اول ملوك كندة،ثم استدرك النبي بقوله: لسنا من بني آكل المرار ، بل نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا.
ولذلك عندما توفي النبي (ص) لم يسم الخليفة من بعده ،ولم يحدد آلية الاختيار ، ولا المدة الزمنية لولاية الخلافة ، واذا كانت العصمة في المسيحية للبابا ، والعصمة في الشيعة للائمة ، فإن العصمة في الاسلام للاجماع والمجتمع.
(٣).
القيمة الثورية الثانية، عندما توهم ابوجهل أن الرسالة المحمدية محض تمكين لمنزلة بني عبد مناف الروحية والسياسية والاقتصادية في مكة، وقال: زاحمنا بني عبد مناف في الشرف اطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا، واعطوا فأعطينا حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يوحى إليه والله لا نؤمن به حتى يوحى إلينا كما يوحى اليه. عندها كان النبي (ص) يقول: اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين اي توظيف طاقات سادات بني مخزوم الثورية الهائلة في حركة الدين الجديد الذي يسع الجميع دون تحيزات عشائرية او قبلية.
ومعلوم ان العقل الجمعي لبني عبد مناف لم يتداعى في وحدة حول الدين الجديد، فالبعض كانت عداوته اشد مضاضة وفي طليعتهم بنو عبد شمس قادة مكة، وايضا كانت العداوة والبغضاء بادية داخل البيت الهاشمي ويقودها عم النبي (ص) ابولهب ، وكان اذا اشتد الاذى الحسي على النبي من بني عبد مناف يزيحه في تلطف وتجمل ويردد اي جوار هذا يابني عبد مناف.
(٤).
القيمة الثورية الثالثة، فقد كانت غاية الرسالة المحمدية تحرير العقول من البنية الثقافية الموروثة التي كرست لاحتكار الزعامة السياسية والاقتصادية والروحية في بيوتات فوقية وعلاقات اقطاعية مع بقية المجتمع ، واخرى ارفع تسمى بالجوار والأحلاف، ولذلك عندما عاد النبي (ص) من هجرة الطائف اراد الدخول في جوار الاخنس بن شريق، وسهيل بن عمرو وهم اقلية ولكن رد عليه سهيل: إن بني عامر لا تجير على بني كعب. عندها وظف النبي (ص) ذات الموروث القديم في تراتبية العلاقات ودخل في جوار المطعم ابن عدي بن نوفل المتحدر من أرومة بني عبد مناف الأكثر رسوخا في مكة.
لقد كانت غاية المقاصد الثورية النبوية إنهاء علاقات الاقطاع والاحتكار المتوارثة في نادي النخبة المكية وحفز كل قطاعات المجتمع في حركة الدين الجديد، وعندما تحققت قوامة المجتمع في الحكم والاقتصاد والجهاد تصدى سهيل ابن عمرو لتثبيت كبار قيادات مكة اثناء الزلزلة التي أصابت المجتمع الإسلامي بعد وفاة النبي الكريم. وعندما تمكنت قوامة المجتمع في الحكم وتلازمت عملية بناء الدولة والأمة ، غدت الخلافة قوية والمجتمع قويا، وتمكن المسلمون من إسقاط الإمبراطوريات العظمى.
وقد عد علماء الاجتماع السياسي هذه الفترة بمرحلة السيادة الثقافية والحضارية للاسلام والتي يحرص الغرب والحركة الصهيونية العالمية على عدم إعادة انبعاثها في المنطقة العربية والاسلامية وذلك عبر تحالفه مع الأنظمة الاستبدادية والملكيات الاقطاعية البترودولارية الواطئة بجبروتها على المجتمعات.
(٥).
القيمة الثورية الرابعة، كانت بعد فتح مكة وتجسد اشعاعها في الشعار العميق(اذهبوا فأنتم الطلقاء ) وجوهر الشعار ان الحرية، والتنوع ، والحوار مع الاخر المغاير هو الاصل في الاسلام . وتشكل بعد الفتح في مكة حزب الطلقاء ، وعندما أدركت جماعة هذا الحزب أن القضية نبوة مطلقة وليست تناطح حول ملك مكة المحدود عندها امتدت أفواج هجرتهم نحو الاسلام.
ان العرفان الثوري المحمدي كانت غايته التغيير في بنية المفاهيم والأفكار البالية وليس التغيير في الهرميات القيادية الموروثة، لذلك ظلت راية الحرب عند المسلمين لدى مصعب بن عمير العبدري وبنو عبد الدار هم حملة الراية، وساسة دار الندوة في مكة منذ تفتيت السلطات فيدراليا بعد وفاة الأب المؤسس قصي ابن كلاب بين حلف المطيبين بقيادة بني عبد مناف وحلف علقة الدم بقيادة بني عبد الدار، وايضا ظلت زعامة الاوس عند سعد بن معاذ، وزعامة الخزرج عند سعد بن عبادة وعندما تأججت في سعد بن عبادة روح العصبية يوم فتح مكة نزع منه النبي (ص) راية القيادة وسلمها لابنه قيس. وعندما أراد علي بن أبي طالب استلام مفاتيح الكعبة من آل طلحة اهل الرفادة والحجابة منذ الجاهلية طمعا في تركيز سلطات بني هاشم في الدولة الجديدة نادى النبي (ص ) عثمان بن أبي طلحة وسلمه المفتاح خالدا مخلدا فيهم ابدا الدهر لا ينزعه منهم الا ظالما . وقد اعتلى بلال الحبشي قمة الكعبة مؤذنا الله أكبر، رمزية لانهاء العلاقات الاقطاعية التالفة.
كذلك تجسد عمق هذه الشرارة الثورية عندما خرج النبي (ص) من مكة إلى فتح الطائف وترك على مكة أميرا وقائدا من البيت الاموي الحاكم وعمره لم يتجاوز العشرين عاما ، كما أسند من بعد لواء جيش مؤتة لأسامة بن زيد وهذه الإشارات تنم عن التغيير البنيوي الذي بدأت بذرته في التخلق في رحم دولة الانبعاث الحضاري الجديدة وظلت إمكانا يأبى النسيان.
(٦).
تجسد إشعاع القيمة الثورية الخامسة عند توزيع غنائم هوازن حيث خص النبي (ص) ذات البيوتات المكية القديمة، وزعماء القبائل العربية والذين كانوا يتوهمون أن النبوة تكريس للهيمنة الهاشمية والتوسعات المكية في الجزيرة العربية حيث بذل لهم الغنائم لعاعة لتأليف قلوبهم وأوكل للطليعة المؤمنة من المهاجرين والانصار سيماء الايمان. وقد كان عكرمة ابن أبي جهل يوم حنين لا يزال في حزب الطلقاء واستأجر النبي (ص) منه السلاح، فشاهد قطيعا من الابل والماعز سال لعابه له فقال له النبي(ص): أأعجبك ياعكرمة هذا القطيع؟ كله لك ياعكرمة عندها أدرك عكرمة عمق الثورة المحمدية وارتسم الإيمان على محياه ، ومن التناطح والتزاحم على حكم مكة بشعارات الشرف التالفة ، غدت مكة كتلة جمعية منافحة عن شرف وقيم الثورة الاسلامية الجديدة والتي استشهد دونها سيدنا عكرمة في قلاع الإمبراطورية الرومانية.واذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الاجسام .
(٧).
صفوة القيم والعبر الثورية، فقد تجلت الهرمية الفرعونية في سبع حلقات ، في الطليعة رمز الاستبداد والفساد فرعون ، ثم يليه هامان والصفوة السياسية ثم قارون والطبقة الرأسمالية الطفيلية، ثم السحرة وفقهاء السلطان، ثم الجنود، ثم المجتمع القبطي، ويقبع في قاع الهرم المجتمعي بنو اسرائيل.
لقد جاءت الرسالة المحمدية لإعادة توازن هذا الهرم ليكون المجتمع في الطليعة والاصل والمرجعية في الحكم والسياسة والثقافة والتنمية الاقتصادية والمدافعة عن الدولة ، والاساس في النهضة الحضارية الشاملة.
ان الثورة التي لا تحقق هذه المقاصد القيمية تنتهي الى محض هوجة ورمرمة ثورية وتيه منالوج. واعادة انتاج للحالة الفرعونية وان تدثرت في ثياب الواعظينا .
وفي التاريخ فكرة ومنهاج بتعبير سيد شهداء العصر سيد قطب
اعاد الله ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم وبلادنا ترفل في ثوب النصر والعزة والسلام والوفاق والوحدة والنهضة

الجمعة ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٣م


اضغط هنا للانضمام لمجموعات الانتباهة على تطبيق واتساب



[ad_2]
Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى