عشاء غيّر قواعد اللعبة.. كيف تحولت أندية كرة القدم إلى علامات تجارية؟
[ad_1]
باتت معركة الأندية الرياضية اقتصادية في المقام الأول للاستمرار، قبل أن تكون رياضية لحصد الألقاب، حيث أصبحت الأموال المحرك الرئيسي للرياضة الأكثر شعبية في العالم.
فكيف دخل مفهوم العلامات التجارية للأندية إلى عالم كرة القدم، فتحولت إلى جذب الرعاة والشركات الكبرى، وهل يمكن القول إنها أصبحت حاليًا أقوى من علامات الشركات الراعية نفسها؟
هذا ما يلقي عليه الضوء اليوتيوبر محمد أبو زيد (الكوير) في برنامج “مع الكوير“، الذي يُعرض حصريًا على منصّات “العربي” الرقمية.
ثورة فلورنتينو بيريز وصفقة لويس فيغو
كانت بداية القرن الحادي والعشرين ساخنة في العاصمة الإسبانية مدريد، حيث كانت جماهير الفريق الملكي ريال مدريد على موعد مع الانتخابات الرئاسية لفريقهم.
وذاك الاستحقاق، الذي عُد من أكثر الانتخابات إثارة في تاريخ تلك الجماهير، كان فرصة للمقاول ورجل الأعمال الإسباني فلورنتينو بيريز لتجديد حلمه للوصول إلى كرسي الرئاسة في مدريد.
لم تكن مهمته حينها سهلة على الإطلاق، إذ كان خصمه في الانتخابات لورينزو سانز، الذي حقق خلال مدة رئاسته لريال مدريد ألقابًا كثيرة، منها بطولة الليغا في العام 1996 ودوري أبطال أوروبا في العام 2000 قبل أشهر قليلة فقط من الانتخابات.
يُضاف إلى ما تقدم إعادة لقب التشامبيونز ليغ لخزائن الملكي عام 1998 بعد صيام دام لـ32 عامًا. وقد ذهبت أغلب الصحف المدريدية إلى وصفه بـ”رجل السابعة”، عندما توفي قبل 3 أعوام بسبب فيروس كورونا.
هكذا، وبينما بدا منطقيًا أن الطريق أمام سانز ممهد للحفاظ على منصبه في رئاسة ريال مدريد، قرر بيريز استغلال ورقتين أساسيتين لمحاولة الإطاحة به.
كانت الأولى تقديم وعد بالتعاقد مع نجم برشلونة لويس فيغو في حال فوزه في الانتخابات، والثانية تحسين ظروف النادي على الصعيد الاقتصادي.
فصحيح أن سانز قد حقق الإنجاز الرياضي بالعلامة الكاملة، إلا أنه دمر النادي اقتصاديًا وخلّف وراءه ديونًا تصل لـ270 مليون يورو.
وقد نجح بيريز في الانتخابات وفاز بكرسي الرئاسة، ونفذ وعده بالتعاقد مع لويس فيغو في واحدة من أقوى الصفقات في تاريخ كرة القدم، وكانت بمثابة إعلان عن بداية حقبة جديدة في تاريخ ريال مدريد.
وفي البداية، انتدب بيريز ألمع نجوم العالم بمبالغ قياسية حيث جاء بزين الدين زيدان من يوفنتوس بما يقرب من 77 مليون يورو، وبالظاهرة البرازيلية رونالدو من الإنتر مقابل 45 مليون يورو.
أما آخر العنقود، فقد كان معشوق الجماهير في تلك الفترة ديفيد بيكهام، الذي انتقل من مانشستر للملكي بـ35 مليون يورو تقريبًا.
وجاء هؤلاء النجوم لتعزيز كتيبة مليئة أيضًا بالنجوم على غرار كاسياس وروبيرتو كارلوس وراوول وماكليلي وإيفان هيلغيرا ومورينتس.
الشرارة الأولى لظهور شركات الدعاية
وبينما أراد بيريز بدفع كل هذه الأموال تحقيق الألقاب من خلال جمع أفضل لاعبي العالم في فريق واحد، كانت فكرته الأعظم إرساء مشروع تجاري فريد من نوعه يضمن مداخيل كبرى.
ويتم ذلك من خلال خلق ضجة إعلامية مقترنة بالفريق وخطف الأضواء من الجميع من خلال التعاقدات، ما يزيد من شعبية النادي في جميع أنحاء العالم، ويساعد في الحصول على تسويق أكثر لعلامته التجارية.
وتمكن نادي ريال مدريد في ذلك الوقت من الحصول خلال واحدة من جولاته التحضيرية في آسيا على أكثر من 10 مليون يورو.
وأمام زيادة عدد جمهوره على مستوى العالم، تسابقت كبرى الشركات لإبرام عقود الرعاية مع ريال مدريد.
ففي عام 2002 أقام صفقة رعاية مع شركة “سيمانس” بقيمة 17 مليون يورو، ثم صفقة رعاية مع شركة “بينكو” تقدر بحوالي 100 يورو لخمس مواسم من 2005 إلى 2020، ما يعني 20 مليون يورو للموسم الواحد.
هكذا وبينما كان النجاح الرياضي مهمًا لاستقرار النادي ويساعده في الفوز بألقاب، وهو ما نجح سانز في تحقيقه، فإن النجاح المالي والاقتصادي للنادي هو الذي يضمن استمرار التربع على العرش الكروي.
ولا يمكن أن يتحقق هذا النجاح إلا من خلال فكر تسويقي يجعل كبرى الشركات تتنافس على التعاقد مع العلامة التجارية.
بشكل أبسط، تستقطب العلامة التجارية القوية أموالًا أكثر وبطولات وأمجاد وجمهور ومتابعين بالملايين.
وفي حين أن بيريز فهم هذا الأمر قبل أكثر من 23 عامًا، تحاول الأندية في مختلف بلدان العالم تطبيق هذا الأمر حاليًا.
وقد استنسخ بيريز نفسه التجربة عندما كوّن الجيل الثاني من “الغالكتيكوس” بقيادة كريستيانو رونالدو وبنزيمة وكاكا ومن بعدهم مودريتش وغاريث بيل، وهو جيل تمكن من الفوز بـ4 بطولات دوري أبطال بين العامين 2014 و2018.
ويسعى بيريز إلى تنفيذ التجربة نفسها للمرة الثالثة بالتعاقد مع كيليان مبابي.
حفل العشاء الذي غيّر كرة القدم
بالعودة إلى أربعينيات القرن الماضي، كانت أرباح الأندية تعتمد بشكل أساسي وكلي تقريبًا على مبيعات تذاكر المباريات.
ومع زيادة مصاريف الأندية اليومية وحصول اللاعبين على أجور، وإن كانت زهيدة بالمقارنة مع ما يتقاضاه اللاعبون حاليًا، راحت الأندية تطلب من المؤسسات المحلية والمصانع المحيطة الحصول على أي نوع من أنواع الدعم.
وقد تنبّهت تلك الشركات حينها إلى قوة التسويق المرتبطة بكرة القدم، وأدركت أهمية الروابط العاطفية التي تجمع فرق كرة القدم بمشجعيها.
ومع الوصول إلى الخمسينيات، تحوّلت الملاعب إلى ساحة دعائية تملأها اللافتات الترويجية لمنتجات مختلفة.
وفي حين يمكن اعتبار تلك المرحلة الشرارة الأولى لبداية مفهوم رعاية الشركات لأندية كرة القدم، إلا أنه كان لا بد من فكرة ثورية لتصل الرعاية إلى شكلها الحالي.
بدأت القصة في العام 1972، عندما تواجد الرئيس التنفيذي لشركة “يغيرمايستر” غانتر ماست على هامش حفلة مع مجموعة من رجال الأعمال، حيث فوجئ بأن أغلب الحاضرين تركوا العشاء لمشاهدة مباراة تجمع ألمانيا الغربية وإنكلترا في ربع نهائي كأس أمم أوروبا.
في تلك اللحظة أدرك ماست الذي لم يكن من متابعي كرة القدم، أن هذه الأخيرة يمكن أن تشكل منجم ذهب لمؤسسته، وأن كل الطبقات الاجتماعية تتابع المباريات بشغف كبير.
ومع بدايات عام 1973، قدم ماست عرضًا لرعاية قميص فريق آينتراخت براونشفايغ، فطبقت بقية الأندية الألمانية التوجه نفسه، وفي مقدمتها العملاق البافاري بايرن ميونيخ.
ولاحقًا، انتشر ظهور المنتجات على قمصان الأندية في الدول الأخرى منها فرنسا وسويسرا والدنمارك وانكلترا وإسبانيا.
كما سمح اليويفا بهذا النوع من الدعاية على قمصان الفرق المشاركة في مسابقاته في العام 1982، وتجني الأندية حاليًا مبالغ فلكية من هذه العقود.
ويحصل ريال مدريد سنويًا على ما يقرب من 70 مليون دولار من خلال عقده مع شركة طيران الإمارات، أما غريمه برشلونة فيحصل على 60 مليون يورو سنويًا من صفقة مع شركة سبوتيفاي.
تأثير التلفزيون على التسويق لكرة القدم
لكن لمَ تدفع الشركات مثل هذه المبالغ الخرافية للأندية مقابل عرض علامتها التجارية على مجرد قميص من قماش؟
الإجابة سهلة وبسيطة، هي التلفزيون الذي كانت علاقة فرق كرة القدم ببثه معقدة في البداية.
فالأندية رفضت نقل مبارياتها بدعوى أن هذا الأمر يمكن أن يؤثر على الحضور الجماهيري خلال المباريات وعلى مبيعات التذاكر. فلم توافق إلا على إذاعة المباريات مسجّلة بعد نهايتها.
لكن يبقى أن طريقة تفكير الأندية في ذلك الوقت كانت خاطئة، لأن التلفزيون من أهم ما حصل في تاريخ كرة القدم.
ويظل الفضل له في كل الشعبية التي وصلت إليها كرة القدم والأموال التي تضخ فيها، وإلى تطور العلامات التجارية للأندية.
سيلفيو برلسكوني أيضًا اعتقد أن بإمكان الأندية أن تصبح علامات تجارية تمثل مدنًا ومناطق بأكملها، فسخّر إمبراطوريته الإعلامية لخدمة فريق اشتراه في منتصف الثمانينيات كانت قد عصفت به فضيحة تلاعب بالنتائج وتم إنزاله للدرجة الثانية في إيطاليا.
فالمالك السابق لنادي ميلان الإيطالي، رجل أعمال عشق المخاطرة، وكانت رؤيته لكرة القدم أن هدفها إنشاء منتج ترفيهي ومع وصوله للجماهير المتحمسة حول العالم يمكن بيعه للشركات الراعية والمعلنين.
وبقيادته، قفزت حقوق بث الكالتيشو من 1.2 مليون جنيه استرليني سنة 1982 إلى 605 مليون جنيه استرليني سنة 1988.
فالرجل تمكن من إعادة اختراع اللعبة بأسلوب أكثر إثارة من خلال طريقة جديدة لتغطية المباريات، والتحليلات الفنية ومتابعة الكواليس والكشف عن أخبار اللاعبين وأجواء التمارين.
بعد سنوات استلهمت الهيئة الأوروبية للعبة العديد من مبادئه في وضع قوانين البث التلفزيوني، والأمر نفسه فعلته أندية الدوري الإنكليزي بعد قرار تأسيسها للبروميرليغ في عام 1992.
في العام 2012، تعاقد نادي اليونايتد مع شركة “شيفروليه” في صفقة هي الأغلى في التاريخ ووصلت حينها إلى 85 مليون يورو سنويًا.
وأفاد مدير التسويق في جنرال موتورز بأن مؤسّسته ستجني أضعاف ما دفعته للشياطين الحمر خلال سنوات.
من ناحيتها، فهمت الأندية الدرس أيضًا، ولم تتعامل مع التطور التكنولوجي على غرار ما حصل مع التلفزيون في سنواته الأولى. فحاولت مع انتشار الإنترنت استغلال هذا الفضاء أكثر فأكثر لتكون على مقربة من الجماهير.
فأي دور لعبته وسائل التواصل الاجتماعي، وأي رسالة تسعى النوادي إلى إيصالها من خلالها، وأي مكاسبت تحققها الشركات من خلال الإعلان عبر صفحات النوادي، وكم بلغ حجم سوق التعاملات في كرة القدم في العام 2022؟ الإجابات وأكثر “مع الكوير”.
Source link