سؤال المصير.. لماذا تقدم الآخرون وتخلف العرب والمسلمون؟
[ad_1]
لا يزال السؤال حول سبب تقدم الآخرين وتأخرنا يشغل حيزًا كبيرًا في تفكير عدد من مفكري ومثقفي العرب، أما الإجابة فتراوحت بين النظر إلى تجارب الآخرين، والأخذ بأسباب تقدمهم، وبين العودة إلى التراث والبحث في تربته عن بذرة النهضة والتقدم.
وفيما تمكنت شعوب عديدة، ليس في الشمال الغني، ولكن في الجنوب الفقير أيضًا، من تحقيق النهضة والاستقلال، لا تزال الشعوب العربية تعاني أشكالًا من الهيمنة والاستبداد، خارجية وداخلية، ما يجعل من سؤال المصير العربي اليوم؛ سؤالًا مصيريًا.
فمنذ ظهور بوادر الوعي القومي العربي في نهايات القرن التاسع عشر، ما زال سؤال “لماذا تقدم الآخرون وتخلف العرب والمسلمون؟” هاجسًا يطارد جلّ المثقفين العرب المهمومين والمثقلين من تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية في العالم العربي.
تردي أحوال العرب
فلا سيادة للعرب على جغرافيتهم ومواردهم ولا حتى على قرارهم باختيار أيّ نظام يحكمهم.
وبفعل تعدد أشكال التردي في أحوال العرب وأحوال سواهم تعددت الإجابات في تخلف العرب. ففتحت معارك سياسية كبرى في الواقع المعاش بين تيارات وإيديولوجيات شتّى تقع ما بين اليمين واليسار، فكانت ثورات وانقلابات عسكرية على أنظمة الحكم ردًا على الاستعمار والنخب التقليدية التي خلفها.
انهارت النظم السياسية الكبرى في المنطقة واستقر حكم العسكر، وجاءت هزيمة حرب يونيو/ حزيران عام 1967 أمام “إسرائيل” الناشئة، لتبدأ عودة المثقفين العرب إلى مراجعة التاريخ العربي الإسلامي ما قبل راهنهم للإجابة على سؤال أسباب التخلف، وهل يقف التراث الإسلامي عقبة أمام العرب للخروج من مأزقهم التاريخي.
وعليه فُتحت ملحمة فكرية هيمنت على الحياة الثقافية العربية أكثر من ثلاثة عقود، يدعو طرف فيها إلى التصالح مع الماضي، فيما يدعو الطرف الآخر إلى القطيعة مع كل التراث الحضاري العربي الإسلامي.
“بيان من أجل الديمقراطية”
أمّا الأكاديمي والمثقف السوري برهان غليون، الذي انخرط منذ سبعينيات القرن الماضي في معالجة الأسئلة السياسية وأصدر كتابه الشهير “بيان من أجل الديمقراطية”، والتحق بالعمل السياسي في الثورة السورية عام 2011، فقد وجد في مؤلفه الأخير “سؤال المصير: قرنان من صراع العرب من أجل السيادة والحرية” أن مسألة التقدم والتخلف ليست مكتوبة في نسيج أي عقيدة أو ديانة وإنما هي ظاهرة تاريخية مرتبطة بشروط سياسية وجيوسياسية وثقافية واعية وخيارات إستراتيجية للقوى الدولية الكبرى التي تسيطر على المعارف والتقنيات والأسواق وعلى التحالفات السياسية والعسكرية.
إخفاق المشاريع العربية
وفي حديث إلى “العربي” من باريس، يعتبر المفكر والأكاديمي برهان غليون أن تشريح الواقع العربي يستلزم أكثر من كتاب وباحث، لافتًا إلى أن كتابه ناقش من ناقش هذا الواقع والمصير من المفكرين العرب في بداية القرن التاسع عشر.
ويشير غليون إلى أن هزيمة يونيو/ حزيران 1967 تشكل جزءًا من مرحلة إخفاق المشاريع العربية التي حاولت أن تقوم بقفزة على طريق الحداثة وهي مشاريع الوحدة القومية والتنمية الزراعية والصناعية.
ويعتبر أن فشل المشروع الذي سمي بـ”الاشتراكي” في تلك الفترة في كل البلدان خلق مشكلة للمفكرين والمثقفين الذين حاولوا أن يقدموا إجابات حول أسباب ذلك الفشل.
ويرى أن الإجابة التي طرحوها كانت خاطئة. وقال: “إن هزيمة 1967 كشفت عن الضعف والوهن وهشاشة المجتمعات العربية من حيث القيادة السياسية والتنمية الصناعية والسيطرة على فن الحرب الذي كان جزءًا أساسيًا من تحضيرات العرب لمواجهة عدو جديد وهو العدو الإسرائيلي بغطرسته وقوته وامتداداته الاستعمارية”.
تقدم العرب في الخمسينيات
لكن غليون يعتبر أنه بالمقارنة بين الشعوب العربية وشعوب أخرى كانت نامية أو متخلفة، سواء في إفريقيا أو في جنوب شرق أسيا وأميركا اللاتينية، يظهر أن العرب كانوا في لحظة من اللحظات متقدمين عن كل تلك الدول التي تقدمت فيما بعد على العرب.
ويقول: “نحن اليوم متأخرون عنهم في كل المعايير، التقنية والحداثة العلمية والصناعة والتجارة والنظم السياسية”.
ويرى أن السؤال الذي يطرح اليوم هو أكثر دقة: “لماذا كان العرب في الخمسينيات متقدمين في كل المعايير، الاقتصادية والفكرية والتنمية والعدالة؟.
ويعتبر غليون أن الفرق بين العرب ودول أميركا اللاتينية هو أن تلك الدول قامت بنقد عقلاني حقيقي وعميق لفشلها وخرجت بخلاصات مختلفة عن الخلاصات التي توصل العرب إليها وهي أنه يجب العمل من أجل الديمقراطية.
إلقاء اللوم على التراث
وفي المقابل، لم يتوصل المفكرون العرب الذين يوجهون الرأي العام إلى أن خياراتنا السياسية والاقتصادية كانت خاطئة بل اعتبروا أن تراثنا هو الخاطئ وأن الشعوب متعلقة بهذا التراث، أي إنهم ألقوا بالمسؤولية على الشعوب والأسلاف الذين لم يقدموا ثقافة تدفع نحو الحداثة.
ويضيف غليون: “بدلًا من خوض معركة الديمقراطية خاض المفكرون معركة العلمانية والتنوير ومعركة عقلنة الشعب المتمسك بالعقائد التقليدية والدينية”.
كما يلفت إلى أن رجال الدين خضعوا للسلطات الاستبدادية في العالم العربي مقابل استقلال الكنيسة في دول أميركا اللاتينية.
ويعتبر أنه تم في السابق التركيز على التراث الذي لا علاقة له بالتقدم، مقابل عدم الاهتمام بالعلوم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بدليل أعداد الكتب التي صدرت في الفترة السابقة والتي تناول نحو 80% منها مواضيع التراث والإسلام وتأويل النص الديني والإصلاح الديني.
وتحدث غليون عن تجربة تركيا وكيف أصبحت دولة قوية بدءًا من جهود أتاتورك وحتى تورغوت أوزال ثم حزب العدالة والتنمية.
الغرب صنع شرقًا كسيحًا
كما يرى المفكر والأكاديمي أن الغرب صنع شرقًا كسيحًا، بمعنى أنه جعل من الشرق مجموعة إقليمية مكونة من دول صغيرة وتابعة دون موارد. وقسّمها الغرب وفق مصالحه، وكان يسعى إلى تحطيم أي قوة قادرة على تغيير الأوضاع التي رسمها في عهد الاستعمار.
ويقول غليون: “لا يوجد منطقة حدث بها تدخلات غربية بقدر ما حصل في المشرق”. وأضاف: “إن إسرائيل هي أكبر تدخل دائم لتقويض أي جهود عربية للتقدم”، حيث أخذت من جهود العرب وشبابهم ومواردهم. وقد صنع الغرب هذا الواقع للحفاظ على مصالحه.
ويلفت المفكر إلى تأثير النزاعات التي أوجدها الغرب في دول الشرق على عرقلة جهود التقدم. ويقول: “لا يوجد تقدم دون استقرار وسلام وأمن، يجب أن تتوطن الرساميل والعقول والكوادر لكي يحصل التقدم”.
Source link