صفحات من حياة محمد جواد ظريف.. هل نال “الإحباط” من الدبلوماسي البارز؟
[ad_1]
لا يُعَدّ محمد جواد ظريف اسمًا عابرًا في السياسة الإيرانية، هو الذي شغل منصب وزير الخارجية لسنوات، وبرز اسمه كمفاوض بارع خلال المفاوضات التي أدت إلى توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى.
لكنّ ما قد لا يعرفه كثيرون أنّ ظريف بدأ حياته الدبلوماسيّة من الولايات المتحدة كموظف في البعثة الإيرانية في نيويورك، ثمّ سفير إيران الدائم في الأمم المتحدة، قبل أن يصبح وزير خارجيّتها الأشهر على الإطلاق.
وقبل أشهر من انتهاء عهده، أثار ظريف جدلاً بعد تسريب شريط مسجّل لمقابلة صحفية معه، تناول فيها ملفات حساسة، أبرزها العلاقة بينه وبين قاسم سليماني، وكشفه حجم تدخّل العسكر في توجيه السياسة الخارجية الإيرانية.
ومع أنّ محمد جواد ظريف خرج بعد ذلك من المشهد السياسي الإيراني، إلا أنّ المحافظين استمرّوا في مهاجمته وانتقاده، ليبقى حتى اليوم اسمه محطّ أخذ وردّ في السياسة الإيرانية، وتحظى مذكّراته باهتمام قلّ نظيره.
بدايات محمد جواد ظريف في الولايات المتحدة
عام 2010، كانت العاصمة الإيرانية طهران تعاني تحت وطأة العقوبات الدولية، نتيجة مواقف الرئيس محمود أحمدي نجاد المتشدّدة، فيما كان محمد جواد ظريف قد عاد إلى العمل الأكاديمي بعيدًا عن الأضواء.
في هذه الأثناء، بدأ الباحث محمد مهدي راجي سلسلة لقاءات مع ظريف، امتدّت لثلاث سنوات، ليصدر كتابه “سعادة السفير”، مسجّلاً صفحات من حياة ظريف الدبلوماسية، التي بدأها من الولايات المتحدة.
عن تلك البدايات، يتحدّث مدير وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي مهران كمرافا، فيلفت إلى أنّ ظريف بدأ رحلته السياسية مبكرًا في الولايات المتحدة، حيث أمضى سنوات تشكّل شخصيته كدبلوماسي إيراني في نيويورك.
ويشير إلى أنّه كان له الكثير من الخصوم، من اليمين ممّن اعتبروه “عميلاً أميركيًا أو عضوًا فيما يسمّى عصابة نيويورك”، ومن اليسار “ممّن لم يثقوا به كثيرًا”، لأنّه كان منخرطًا في الدبلوماسية الإيرانية منذ مراحل شبابه الأولى”.
وعقب انتصار ثورة الخميني اتسمت العلاقة بين إيران والولايات المتحدة بالتوتر، ابتداءً من أزمة اعتقال الرهائن في السفارة الأميركية بطهران، إلا أنّ الشاب جواد ظريف كانت له رؤية أكثر هدوءًا للتعامل مع الغرب.
فقد واكب ظريف تطورات المواقف الغربية من إيران إبان الحرب العراقية الإيرانية، وصولاً إلى اتفاق وقف إطلاق النار بينهما، كما سعى لتغيير صورة إيران أمام الرأي العام العالمي.
عن هذه المرحلة، يقول كمرافا إنّ ظريف لم يكن سياسيًا فعّالاً عالي الرتبة في ثمانينيات القرن الماضي، لكنه كان منخرطًا في النظام بما يكفي ليشهد بعينيه عجز العالم عن رؤية المشهد من وجهة النظر الإيرانية.
ويضيف أنّه لذلك، طوّر قدراته لاحقًا كدبلوماسي، عندما أصبح سفيرًا، ليتمكّن من توضيح وجهة النظر الإيرانية إلى العالم.
أفغانستان.. فرصة محمد جواد ظريف الأكثر أهمية
عقب أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، والغزو الأميركي لأفغانستان، حظي ظريف بفرصته الأكثر أهمية، إذ التقت المصالح الأميركية والإيرانية في تقويض نظام طالبان، وإنشاء نظام جديد في أفغانستان.
هنا، أهدى واشنطن قائمة بـ200 اسم من مقاتلي “القاعدة” وطالبان المحتجزين لدى طهران، لتشكّل هذه الهدية أولى خطواته إلى مؤتمر بون في ألمانيا، والذي عقد لصياغة النظام السياسي الجديد لأفغانستان.
كان المرشح الأبرز لقيادة البلاد هو محمد ظاهر شاه، آخر ملوك أفغانستان قبل تحوّلها إلى جمهورية بانقلاب عسكري في السبعينيات، إلا أنّ اللجنة الإيرانية المشاركة في المؤتمر بقيادة جواد ظريف ساهمت في دفع المؤتمر باتجاه آخر.
“إنّ لمشكلات الملف النووي عمودًا خارجيًا، وأذكر أنّ لها عمودًا داخليًا أيضًا هو الجهل والتنافس بين الأجهزة داخل الجمهورية الإسلامية. كانت أميركا تبحث عن حُجّة لتضغط على إيران، ومع الأسف منحناهم هذه الحُجّة”
يتحدّث ظريف عن هذه المرحلة في مذكراته، فيقول: “نظرًا لوصولنا متأخّرين إلى بُنْ، كان الأوروبيون قد توصّلوا إلى اتفاق عام حول عودة السيد ظاهر شاه. كنّا نعلم أنّ الأميركيين يميلون إلى السيد حامد كرزاي، ومن خلال هذه المبادرة، تمكنّا من نيل ثقتهم، وغيّرنا القرارات التي اتُخِذت قبل حضورنا لبدء عملية جديدة”. ويضيف: “هكذا حقّقت إيران مصالحها في أفغانستان وحازت سمعة إيجابية في المجالس السياسية الأميركية”.
وتؤكد مذكّرات المسؤولين الأميركيين كجيم دوبينز هذا المعطى، بحسب ما يكشف مدير البرنامج الإيراني في مجموعة الأزمات الدولية علي واعظ، الذي ينقل عنهم أنّ محادثات الأفغان آنذاك وصلت إلى طريق مسدود، قبل أن يتحدّث ظريف مع أحد المفاوضين المؤثّرين على انفراد، ويقنعه بإتمام الصفقة.
لكنّ واعظ يلفت إلى أنّ التواصل لم يقتصر على الجانب الدبلوماسي، “فنحن نعلم اليوم أنّ الجنرال سليماني كان من أوائل الواصلين إلى مطار باغرام، مع نائبه الذي أصبح الآن خليفته، الجنرال قا آني، وقاموا بتهيئة المطار لهبوط المقاتلات الأميركية خلال المراحل الأولى من الحرب على أفغانستان”.
العلاقات الأميركية الإيرانية ودور محمد جواد ظريف
قبيل الغزو الأميركي للعراق، عادت العلاقات الأميركية الإيرانية إلى التوتر مجدّدًا، إذ أطلّ الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش في يناير/ كانون الثاني 2002، بتصريحه حول “محور الشرّ”، الذي ضمّ إيران مع العراق وكوريا الشمالية.
ورغم عقد ثلاث جولات تفاوضية بين الأميركيين والإيرانيين حول الملف العراقي، إلا أنّ حدّة التوتر لم تنخفض خصوصًا مع كشف المعارضة الإيرانية في الخارج في أغسطس/ آب 2002 عن البرنامج النووي الإيراني وتوجهاته العسكرية، ليتزامن ذلك مع تعيين ظريف مندوبًا دائمًا في الأمم المتحدة.
يتحدّث مدير البرنامج الإيراني في مجموعة الأزمات الدولية علي واعظ عن “قلق أمني خطير” ساد في الأوساط الإيرانية في تلك المرحلة لأنّ الولايات المتحدة تمكّنت من الإطاحة بنظام صدام في ثلاثة أسابيع فقط، وهو النظام نفسه الذي حاربته إيران لثماني سنوات، وبتكلفة باهظة، من دون أن تتمكن في تغيير الحدود شبرًا واحدًا.
ويقول إنّ مجموعة من الدبلوماسيين البراغماتيين في دوائر صنع القرار الإيرانية ارتأت عندها أنّه ربما قد حان الوقت لتقديم عرض للولايات المتحدة من أجل حل المشاكل العالقة، وهو ما قوبل بالرفض من إدارة بوش، لتنخرط إيران في مباحثات دبلوماسية مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا، بحثًا عن مسار لتخفيض التصعيد على الجبهة النووية.
في مذكراته، يتحدّث ظريف عن هذه المرحلة، فيقول: “عندما كنت مسؤول المفاوضات، منعنا انتقال الملف إلى مجلس الأمن، وحتى بعد اتفاق باريس عام 2004، كان القرار يقضي بأن يتدخل مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية عند الضرورة فقط، ولهذا لم يُناقَش أي قرار ضد إيران في مجلس المحافظين أو يصدر عنه أي قرار ضدّها لفترة”.
ويضيف: “هذا أهمّ نتائج اتفاقية باريس. وكانت هذه النتائج ثمرة تنفيذ سياسة القائد -المرشد الأعلى- من قبل السيد خاتمي وشخصيات مثلي”.
لكنّ مدير وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي مهران كمرافا لا يعزو ما ساد في هذه الفترة من انفتاح وحسن نوايا بين إيران وبقية العالم لظريف وحده، حيث يوضح أنّ الأخير كان جزءًا من سياق أكبر رسمته سياسة حوار الحضارات خلال عهد خاتمي، وهو جزء من رؤية خاصة حول معنى الثورة الإيرانية، كانت أقرب إلى قناعات ظريف حولها”.
خطّة محمد جواد ظريف لتحقيق الأهداف الإيرانية
مثّل التنافس بين التيار المحافظ والإصلاحيين في إيران، حلقات مستمرّة من الصعود والهبوط، حيث كان لنتائج الانتخابات الرئاسية آثار واسعة على السياسة الخارجية للبلاد.
فمع عودة المحافظين إلى السلطة عقب انتخاب الرئيس أحمدي نجاد عام 2005، استأنفت إيران عمليات تخصيب اليورانيوم، وأوقفت تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتنهي الأجواء الإيجابية مع الأوروبيين، التي عمل لأجلها جواد ظريف.
وفي النتيجة، أحيل الملف النووي الإيراني لاحقًا إلى مجلس الأمن، الذي اتخذ سلسلة من القرارات بين العامين 2006 و2010 أفضت إلى فرض حزم واسعة من العقوبات ضد إيران.
“بعدما اطمأنّوا إلى عدم ترشّحي، أطلب منهم أن ينشغلوا بأولويّاتهم، وهي اكتساب السلطة الداخلية، وأن يسمحوا لنا بالتركيز على أولويّتنا، وهي حماية المصالح الوطنيّة، وتحرير الشعب من العقوبات الأميركية الظالمة”
وعقب فوز باراك أوباما في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2008، بدأت حدّة التوتر الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وإيران بالانخفاض، وسعى المرشد علي خامنئي إلى تخفيف الاحتقان داخل المجتمع الإيراني المستاء من العقوبات الأميركية، فأوعز ببدء مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة عبر الوسيط العُماني.
وبالفعل، وضع ظريف خطته لتحقيق الأهداف الإيرانية في المفاوضات، وكان أبرز بنودها، بحسب ما يسرد في مذكراته: “إفشال الإجماع الأمني ضدّ إيران، من خلال إبطال القرارات الأممية ولا سيما القرار الدولي 1929، ووضع حدّ للعقبات أمام مسار التنمية في البلاد”.
ومن الأهداف التي وضعها ظريف أيضًا: “الحفاظ على الإنجازات التي وصلتها إيران في برنامجها النووي، وإخراج البرنامج النووي من الدائرة الأمنية التي وُضِع فيها بعد القرارات الدولية، والتعامل معه كملف له أبعاده التقنية والصناعية”.
تحديات ما بعد الاتفاق النووي
بعد توقيع الاتفاق النووي، كان ظريف أمام تحدّ كبير، تمثّل في الحفاظ على مكتسبات إيران الاقتصادية نتيجة عقد الاتفاق، والذي كان مشروطًا بالالتزام بمعايير مجموعة العمل المالي الدولية، خصوصًا الشفافية ومكافحة تمويل الإرهاب، ليشكّل هذا ثاني محطات الصدام بين ظريف والتيار المحافظ، إذ مثّلت التعاملات المالية للحرس الثوري خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه.
وفي خضمّ الصراع المتنامي مع المحافظين، أتت الضربة القاضية لظريف من جانب الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي أعلن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018. وبسقوط الاتفاق، فقد ظريف قوته ونفوذه داخل أروقة السياسة الخارجية الإيرانية، بينما تصاعدت أسهم التيار المحافظة.
يقول مهران كمرافا إنّ انسحاب ترمب من الاتفاق النووي عام 2018 كان “كارثة بالنسبة للمعتدلين في إيران، إذ كانوا قد استنزفوا الكثير من سمعتهم وشعبيتهم لأجل هذا الاتفاق”.
يخلص إلى أنّ ظريف “كان دبلوماسيًا مهنيًا لكن في لحظة ما، يمكننا القول إنّ الإحباط نال منه، فاستقال محبطًا عام 2019، عندما اعتقد أنّ الحرس الثوري كان يقوّض جهوده، إلى الدرجة التي تعطّل قدرته على القيام بمهامه كوزير خارجية بشكل فعّال”.
هل هو “الإحباط” الذي نال فعلاً من محمد جواد ظريف ودفعه إلى الاستقالة؟ ما قصّة التسجيل الذي أثار جدلاً كبيرًا في الأوساط السياسية؟ كيف كانت العلاقة بينه وبين الحرس الثوري الإيراني، وهل يعتبر أنّ الأخير قوّض جهوده؟ وماذا بعد انكفائه عن المشهد، وعن طموحاته الأخرى؟ الإجابات وأكثر في الحلقة المرفقة من “مذكّرات”.
Source link