أخبار محلية

*مفاوضات جدة [3]* | صحيفة التيار

[ad_1]

*دولة القانون*

لم تواجه الأمم والشعوب فتنة أعظم من الحرب. فبالحروب يعم الدمار وتنتهك الأعراض وتضيع الدماء والأموال. الحروب لا يقاتل فيها ولا يتأثر بها من يشعلونها وإنما تفتك ويلاتها وتطال خسائرها الأبرياء من ضحاياها. ولما لتجار الحروب من خبرات متوارثة فإنهم لا يكتفون بالتأجيج والتحريض بل يستطيعون أن يجعلوا من الباغين ضحايا، ومن الأخيرين مجرمي حرب. بكلمة واحدة، الحرب جماع المصائب، فمن بعدها تغيب الحكمة وتظهر الاختلافات والانشقاقات الفكرية والمذهبية. بالطبع ما من حرب إلا وفاقمت الكثير من الأمراض العضوية والمعنوية التي لا يزيدها اللايفاتية إلا اشتعالاً.
يُجمع الكثيرون أن حرب السودان لم تتأخر وإنما فقط تمددت من أطرافه الملتهبة أصلاً لتبلغ أم القرى (الخرطوم). مهما يكن من أمر، فالإشكال ليس في متى تتوقف هذه الحرب شكلاً وإنما في كيفية التوقف موضوعاً وحقيقة؟ أي أن هل مجرد عودة التفاوض لمنبر جدة والوصول لهدنة سواءً قصيرة أو طويلة يعتبر وقفاً للحرب؟ بلا شك أن الإجابة هي النفي، فالحرب وبعدما زادت رقعتها وانتقلت للمركز فقد خلقت واقعاً جديداً يختلف جملة وتفصيلاً عما كان قبل تمددها وتوسّع رقعتها. بعبارة أكثر وضوحاً لو أن هذه الحرب كانت مجرد تمرد لفصيل على آخر لما كنا بحاجة لكل هذا الوقت للوصول لآليات الوقف المعهودة.
إن الأسباب التي أدت لهذه الحرب أو أتساع رقعتها زادت أوضاعنا الهشة هشاشة وتعقيداً. فعلاوة على الظروف، وكما سبق أن أشرنا في مقال سابق، أن أضلاع هذه الحرب بلغت، في أقل تقدير، تسعة أو عشرة أضلاع معلومة. الضلع الأخير والمتمثل في الضحايا يصنّف معظم السودانيبن أنفسهم تحته. في الحقيقة أن هذه الأغلبية التي ظلت صامتة، لا يجوز أن تقل مسؤوليتها عن الفاعلين الأصليين أو المحرضين أو الطائشين. فالسودانيون جميعاً ساهموا حقيقة أو حكماً بفعل أو امتناع أو إهمال أو تقصير أو على الأقل أذكوا شرارة الحرب بجدلهم وتخوينهم لبعضهم، ولو من مواقع التواصل الاجتماعي. ولأن الوقت ليس للملامة، وحتى تتكلل مجهودات الميسيرين في منبر جدة بالنجاح فإن أي وقف للعدائيات يجب أن يتزامن معه بروز مجموعة مدنية وطنية موثوق بها لتضطلع بمهام السلطة المؤقتة والتي على رأسها ليس فقط وقف إطلاق النار وإنما وقف الحرب. غني عن البيان أن وقف الحرب، كمصطلح، لا يقتصر على الوقف المجرد لإطلاق النار وإنما وقف الحرب. فالمصطلح يشمل، ضمن مراحل أخرى، كافة العمليات الإنسانية من إغاثة للضحايا، والإشراف مع أي وسطاء، أن وجدوا، على تأمين المسارات سواء للمدنيين أو العسكريين. هذا بجانب تدابير أخرى على رأسها حصر ودفن الجثث والبدء في التحقيقات الجنائية وتحديد الخسائر المادية وكيفية التعويض عنها وذلك ضمن تصور دستوري جديد يؤسس لعملية سياسية تضمن عدم الإفلات من العقاب وعودة الحياة لطبيعتها. ونواصل.
د. عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
28 أكتوبر 2023

[ad_2]
Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى