أخبار العالم

لماذا كان زلزال المغرب مدمرا إلى هذا الحد؟

[ad_1]

قبل انتصاف ليل 8 سبتمبر/أيلول الحالي بقرابة الساعة، تلقت الأراضي المغربية ضربة زلزالية بقوة 6.8 على المقياس كان مركزها هو جهة مراكش آسفي غربي البلاد، كان مركز الزلزال على بُعد نحو 75 كم جنوب غرب مراكش، بالقرب من بلدة إغيل في جبال الأطلس، أُبلغ عن 2012 حالة وفاة حتى لحظة كتابة هذه الكلمات، كما شعر بالزلزال سكان الجزائر وإسبانيا والبرتغال.

الأقوى منذ فترة طويلة

بحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية(1) فإن الزلازل بهذا الحجم في المنطقة غير شائعة، ولكنها متوقعة، فمنذ عام 1900 لم يقع أي زلزال بقوة 6 أو أقوى ضمن مسافة 500 كم من هذا الزلزال، ولم تقع سوى 9 هزات بقوة 5 فأكبر على المقياس، ولم تتجاوز قوة أيٍّ منها 6 درجات على المقياس، وهذا هو في الحقيقة أول وأهم أسباب قوة هذا الزلزال، فرغم أن هناك فرقا بدرجة واحدة على المقياس بينه وبين زلزال يقع أسفل 6 درجات، فإن هذه الدرجة لها تأثير هائل.

يشير مقياس الزلازل(2) عموما (الذي بات يُستخدم حاليا بدلا من مقياس ريختر) إلى قدر الطاقة التي تُطلق في أثناء حدوث الزلزال، لكن هناك ملحوظة مهمة، وهي أن تصاعُد مقاييس الزلازل يكون عادةً لوغارتميًّا، أي إن صعود مقياس زلزالٍ ما من 5 إلى 6 إلى 7 لا يعني انتقالا مثل درجات السلم، بل قفزات تتسع كلما صعدنا إلى الأعلى، فالزلزال بمقياس 6 درجات أكبر بعشرة أضعاف من زلزال بمقياس 5 درجات، وأكبر بمئة ضعف من زلزال بمقياس 4 درجات! يوضح ذلك أن كل كسر عشري بسيط في مقياس الزلزال يعني قفزة هائلة في حجم الكارثة.

وعموما تُعد الزلازل فوق 7 درجات شديدة إلى كارثية، يمكنها أن تدمر البنايات، أما الزلازل من 6 درجات إلى 7 فتُعد قوية ويمكنها إحداث الأضرار لكن ليس بمستوى جذري شديد، ولكن الزلازل تحت 6 درجات عادة لا تؤثر بشكل كبير في البنية التحتية، لكن يظل من الممكن للناس أن يستشعروا أثرها.

ولذا يمكن أن نلاحظ فارقا بين هذا الزلزال وآخر ضرب منطقة ميدليت(3) المغربية قبل عدة أعوام وكان بقوة 5 درجات فقط، وبالطبع فوجه المقارنة مفتوح ليشمل حالة أشد وطئا وهي زلزال تركيا وسوريا في فبراير/شباط 2023، وهو أقوى بعشرة أضعاف من زلزال المغرب الذي حصل بالأمس، وكان ذلك ظاهرا في حجم الضرر وعدد القتلى الذي وصل إلى 50 ألف شخص.

ويُعد عنصر المفاجأة نفسه معيارا مهما في أثر الزلزال، فالدول التي لم تتعود على مقياس بهذا القدر عادة ما تتلقى الضربة الأولى بدرجة أقل من الجاهزية مقارنة بدول معتادة على الزلازل القوية، أضف إلى ذلك أن موعد ضرب الزلزال للأراضي المغربية كان متأخرا، في وقت يكون فيه الكثير من السكان في منازلهم نائمين، ما يرفع من أثر الزلزال، فيزيد من عدد الضحايا والمصابين.

مركز الزلزال

الصفائح التكتونية على كوكب الأرض (ويكيبيديا)

لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، ولفهم تلك النقطة نحتاج إلى أن نفهم ما الذي تعنيه الزلازل، لو تخيلنا أن كوكب الأرض هو ثمرة تفاح، فإن الغلاف الصخري للأرض هو ببساطة قشرة التفاحة الرقيقة، لكن هذه القشرة الأرضية تبلغ سماكتها من 30 إلى 70 كيلومترا في القارات، ومن 6 إلى 12 كيلومترا في المحيطات، وهي تختلف في شيء آخر عن قشرة التفاحة وهو أنها ليست قطعة واحدة تغطي الأرض، بل تتكون من عدد من القطع التي تسمى بالصفائح التكتونية(4)، التي تتداخل مع بعضها بعضا بشكل يشبه الأحجيات الورقية، تلك الصفائح تتحرك ببطء، أو قل إنها تسبح لمسافة سنتيمترات كل عام على طبقة أخرى للأرض تقع أسفلها وتسمى الوشاح، ولذلك لا نلحظ أثرها.

تبتعد تلك الصفائح التكتونية عن بعضها بعضا في أماكن وتقترب في أخرى، وحينما تقترب تلك الصفائح فإنها تنزلق ببطء وسلاسة في الحالات العادية، لكن في بعض الأحيان لا يكون الأمر هكذا، لفهم تلك الفكرة تخيل أن هناك قطعتَيْ رخام كبيرتين بمساحة عدة أمتار مربعة، كلٌّ منهما لها وجه غير ناعم، قمنا بربط العلوية منهما بحبل قوي وبدأنا في سحبها، في البداية لا تتحرك القطعة فنزيد من قوة الشد، ومع الشد تنزلق قطعة الرخام فجأة فتتحرك لعدة سنتيمترات، وفي أثناء حركتها تلاحظ أنها تهتز بشدة.

هذا بالضبط ما يحدث في حالة الزلزال، لكن بدلا من الوضع الرأسي تلتقي صخور أطراف الصفيحتين أفقيا، في بعض الأحيان تحتكان بشدة فتقفان لوهلة من الزمن، في أثناء ذلك تختزن كلٌّ منهما الطاقة في هذا الاحتكاك (هذه هي الحالة التي تحاول فيها الشد لكن قطعة الرخام لا تتحرك بعد)، وفي لحظة ما تنفلت تلك الطاقة فتتزحزح تلك الصخور لمسافة كبيرة غير معتادة، ومع زحزحتها تنطلق الطاقة لتسري في كل مكان بالكوكب، لكنها تضرب أقرب النقاط لها بأكبر قوة.

الطاقة الخارجة من زلزال مراكش آسفي تُقدَّر بنحو 240 كيلوطن من مادة “تي إن تي”، وهذا رقم هائل يعادل مثلا أكثر من 10 أضعاف قنبلة الرجل السمين النووية التي ضربت مدينة ناغازاكي اليابانية، لا يعني ذلك أن الأمر يشبه إلقاء 10 قنابل نووية على المغرب، ولكن يعني أن الطاقة الخارجة من الزلزال، تحديدا في بؤرته (Focus) داخل باطن الأرض، تساوي هذا القدر من الطاقة، لكن هذه الطاقة تسافر في صورة موجات لتتوزع في كل مكان بالكوكب، ولكن يظل أكبر مكان يتلقى الضربة هو الذي يقع فوق البؤرة بالضبط، ويسمى “المركز السطحي” (Epicenter)، في حالة زلزال المغرب كان المركز جنوبي مراكش على مسافة نحو 75 كيلومترا كما أسلفنا.

وللأسف، فإن بؤرة زلزال المغرب وتركيا كانت على مسافة قريبة نسبيا من السطح (نحو 18 كيلومترا)، ما تسبب في دفع قدر أكبر من القوة إلى المنطقة المحيطة، وهو ما أضاف إلى قوة الهزة في المنطقة وأسقط عددا من المنازل على الأرض، إلى جانب ذلك فإن قوة الزلزال أيضا تتأثر بطبيعة الأرض نفسها وطبيعة المباني، فالمباني القديمة أو غير المجهزة هيكليا للتعامل مع الزلازل ستكون أول المتساقطين، حتى مع زلازل أضعف من هذا.

المغرب والزلازل

بالنسبة للمغرب، كان عنصر المفاجأة وقوة الزلزال واقتراب بؤرته من سطح الأرض هو السبب الرئيسي في قوة هذا الزلزال، وعموما فإن المغرب من الدول المعرضة لخطر الزلازل، لأنها ببساطة تقع على “الحزام الألبي”(5)، وهو حزام زلزالي وجبلي يمتد لأكثر من 15 ألف كيلومتر على طول الهامش الجنوبي من قارتي آسيا وأوروبا، فيبدأ من جاوة وسومطرة، ثم عبر شبه جزيرة الهند الصينية، ومن ثم جبال الهيمالايا وما وراءها، ثم جبال إيران والقوقاز والأناضول وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط، وحتى المحيط الأطلسي، هذا الحزام مسؤول عن 17% من الزلازل الكبرى في العالم.

قلنا قبل قليل إن سبب الزلازل الرئيسي هو تلاقي أطراف الصفائح التكتونية، وبالتبعية فإن الدول التي توجد عند أطراف تلك الصفائح تكون عادة معرضة لخطر الزلازل بشكل أكبر من المعتاد، وهنا تحديدا يظهر الحزام الألبي، حيث يمتد أثره ليصل إلى بعض دول الوطن العربي، تحديدا شمالا، حيث تتماس حدود العراق مثلا مع إيران قرب مناطق الزلازل الكبرى، ومرورا بسوريا والأردن وفلسطين ولبنان حيث يوجد ما يسمى بـ”فالق البحر الميت”، وكذلك يمتد أثر الحزام الألبي إلى شمال المغرب العربي، حيث يتسبب التماس بين حدود الصفيحة الأفريقية جنوبا والأوراسية شمالا في فوالق عدة منها “فالق جزر الأزور – جبل طارق”، وقع الزلزال الأخير داخل الصفيحة الأفريقية، على بُعد نحو 550 كيلومترا جنوب حدود الصفيحة بين صفيحتي أفريقيا وأوراسيا. في موقع هذا الزلزال، تتحرك الصفيحة الأفريقية نحو 24 ملم/سنة باتجاه جنوب غرب بالنسبة لصفيحة أوراسيا.

في كل الأحوال، يبقى أن أي دولة في العالم مُعرَّضة لأن تُضرب بزلزال في أية لحظة، لكن منظومات التنبؤ الاحتمالي هي أكثر الأدوات دقة التي امتلكها العلماء في هذا النطاق إلى الآن، وهي فعالة كفاية لتصف قائمة أقوى زلازل العالم فوق مقياس 7 مثلا بدرجة كبيرة من الدقة، يكفيك أن تعرف أن 98% من الزلازل الكبرى في العالم حدثت في شريط جغرافي ضيق يشمل “حزام الألب” و”حزام ما حول المحيط الهادئ”، والأخير هو شريط جغرافي طوله نحو 40 ألف كيلومتر يمتد حول المحيط الهادئ، بداية من جنوب قارة أميركا الجنوبية ووصولا إلى نيوزيلندا في الجهة الأخرى.

__________________________________________________

مصادر

  • 1- M 6.8 – 56 km W of Oukaïmedene, Morocco
  • 2- Earthquake Magnitude Scale
  • 3- M 5.0 – 46 km E of Midelt, Morocco
  • 4- Plate Tectonics
  • 5- alpide belt
[ad_2]
Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى