المجتمع الدولي مطالب بوقف انتهاكات الدعم السريع – باج نيوز
[ad_1]
رغم مرور خمسة عشر شهرًا على الحرب التي تشنها مليشيا قوات الدعم السريع ضد الشعب السوداني، وما صاحبها من فظائع غير مسبوقة، فإنها لم تحظَ باستجابة كافية من المجتمع الدولي حتى الآن.
صحيح أن قرار مجلس الأمن الدولي رقْم 2736 الصادر في 13 يونيو/حزيران 2024، الذي يطالب قوات الدعم السريع بإنهاء حصار مدينة الفاشر، يكتسب أهمية كبيرة، إلا أنه لم يصل حد إدانة المليشيا بشكل قاطع على جرائمها الوحشية.
وقد حمَّلت لجنة من خبراء مستقلين بتكليف من مجلس الأمن الدولي، قوات الدعم السريع والمليشيات التابعة لها مسؤولية مقتل ما بين 10 آلاف إلى 15 ألف مدني في غربي دارفور خلال الفترة ما بين أبريل/نيسان وديسمبر/كانون الأول 2023. وقضت وزارة الخارجية الأميركية، في ديسمبر/كانون الأول 2023، بأن قوات الدعم السريع ارتكبت جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وأعمال تطهير عرقي، تذكرنا بالإبادة الجماعية. كما اعترف مشروع قرار صدر عن الكونغرس بموافقة الحزبين السياسيين، بهذه الأفعال باعتبارها إبادة جماعية.
وفي الخامس من يونيو/حزيران 2024، وقعت مجزرة أخرى في قرية “ود النورة” بولاية الجزيرة راح ضحيتها 270 قتيلًا من الأهالي. ورغم ردود الفعل العالمية الغاضبة إزاء هذه الجرائم، جاءت استجابة المجتمع الدولي بطيئة وغير كافية في كثير من جوانبها، بل وتصل إلى حد اللامبالاة. والنتيجة هي استمرار التطهير العرقي والقتل دون رادع على يد المليشيات في أنحاء البلاد.
نموذج لتلك الاستجابات الرخوة، جاء القرار الأخير للأمم المتحدة والإدانات الدولية مطالبًا قوات الدعم السريع بأن تُحسن التصرف. وهو مطلب يفترض أن المليشيا تتمتع بقدر من الأخلاق أو الشرعية أو الانضباط، وهو ما لا تمتلك أيًا منها. وكما كان متوقعًا جاء رد قوات الدعم السريع على القرار؛ بالهجوم الكبير على “الفاشر”، معبرًا عن استهتارها بالدبلوماسية الدولية.
الذاكرة القصيرة
قبل عقدين من الآن كانت مليشيا “الجنجويد” معروفة على مستوى العالم وموصومة بالوحشية في الصراع بإقليم دارفور، حيث أدّت جرائمها إلى تدخل المحكمة الجنائية الدولية في عام 2005. بيد أن بعض الأوساط الغربية نسيت على ما يبدو أن قوات الدعم السريع هي في الأساس نسخة مطورة من الجنجويد، على حد تعبير (Enough Project) ، وكما يمكن أن تجده في مراجع علمية عديدة، بل وفي موسوعة ويكيبيديا المفتوحة على شبكة الإنترنت.
ومع ذلك، فإن زعيم الجنجويد، حميدتي، ارتقى إلى مرتبة شخصية دولية، حيث تلقى مكالمات هاتفية من الأمين العام للأمم المتحدة، ووزير الخارجية الأميركي، وحظي باستقبال رسمي من قبل رئيس إحدى دول شرق أفريقيا الموالي للغرب، بل إنه دُعي لحضور قمة الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) في شرق أفريقيا.
يحدث ذلك فيما تواصل مليشياته فظائعها على امتداد ولايات كردفان الكبرى والخرطوم وسنار، إلى جانب ولايتي دارفور والجزيرة، بدعم كامل من راعية إقليمية تمدها بالأسلحة المتطورة، والمرتزقة، والتمويل وشبكات العلاقات العامة والدعاية الواسعة.
وهكذا، قياسًا إلى ردود فعله تجاه جرائم الجنجويد في دارفور بين عامي 2003-2009، يبدو أن المجتمع الدولي لم يعد يكترث لفظائعهم المتجددة، رغم أن ضحاياهم الحاليين يشكلون نحو نصف سكان السودان.
تغيير السياق
جاء صعود حميدتي إلى منصب نائب رئيس مجلس السيادة خلال فترة انتقالية بالغة الصعوبة عقب انتفاضة شعبية أطاحت بالنظام السابق، وكان لا بدّ في ذلك الوقت من استيعاب هذه المليشيا إلى جانب حركات الكفاح المسلح الأخرى التي كانت تقاتلها نيابة عن النظام السابق، والهدف هو الحد قدر الإمكان من أي مقاومة للتغيير حتى لا يتفاقم الوضع المحفوف بالمخاطر أصلًا.
وكان المتصور آنذاك أن مثل هذه الترتيبات ستقود البلاد إلى نظام جديد يقوم على وفاق وطني عريض. وعليه، كان يفترض دمج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني بعد إصلاحها وتأهيلها، تحت إشراف الجيش.
غير أن تدخل القوى الخارجية والسياسيين المحليين في العملية أجهض المحاولة، وبدلًا من ذلك اشتد عود قوات الدعم السريع. وبفضل دعم راعيها الإقليمي واستيلائها على النصيب الأكبر من ثروة البلاد من الذهب، تمتلك المليشيا الآن أسلحة متطورة، وتتمتع بسيطرة اقتصادية كبيرة وشبكة علاقات عامة. بل وكان السودان على وشك الانضمام إلى قائمة دول الشرق الأوسط التي تديرها المليشيات.
ومع الخسائر الفادحة في القوى البشرية التي تكبدتها في وقت مبكر من الحرب، عادت المليشيا إلى أصولها الجنجويدية، خاصة بعد إنهاء إعارة ضباط القوات المسلحة السودانية والتسريح الطوعي داخلها. وأُطيح بحميدتي من منصبه في مايو/أيار 2023، وأصدر قائد القوات المسلحة السودانية قرارًا، في سبتمبر/أيلول 2023، بحل قوات الدعم السريع. وهكذا، أصبح الجنجويد الذين سقط عنهم القناع هم من يقاتلون الشعب السوداني الآن.
التودد إلى الوحش
بدأت بعض القوى الأوروبية في مغازلة قوات الدعم السريع قبل سقوط النظام السابق؛ طلبًا لمساعدتها في السيطرة على الهجرة غير النظامية عبر دارفور وليبيا. وأضفت هذه التعاملات شرعية زائفة لحميدتي وجنى منها مكاسب مالية كبيرة، مما أتاح له تجنيد المرتزقة، بمن في ذلك المهاجرون غير الشرعيين الذين أغرتهم الأجور المرتفعة.
إن الرأي القائل بأنه “لن يتحقق نصر عسكري في هذه الحرب” فكرة تحتاج إلى تمحيص. ففي حين أن الحرب في حد ذاتها غير مرغوب فيها، إلا أن الدفاع ضد العدوان حق وواجب. وتظهر السوابق التاريخية، مثل هزيمة النازية والفاشية وتنظيم الدولة الإسلامية، أن العمل العسكري يمكن أن يكون ضروريًا وفعالًا. وبالتالي فإن السؤال يجب أن يكون “كيف؟”، وليس (ما إذا) كان النصر في الحرب ضد الإرهاب سيتحقق.
إن القوات المسلحة السودانية تحقق انتصارات حاليًا في الحرب ضد مليشيا قوات الدعم السريع، التي تلجأ الآن إلى استهداف القرى النائية والبلدات الصغيرة، وتُظهر تكتيكات شبيهة بأساليب الجماعات الإرهابية على شاكلة تنظيم الدولة الإسلامية، وجماعة بوكو حرام.
المقاومة الشعبية وحق الدفاع عن النفس
إن انتقاد تسليح المدنيين الراغبين في الدفاع عن أنفسهم ضد قوات الدعم السريع ليس في محله. فالدفاع عن النفس هو أحد حقوق الإنسان الأساسية، خاصة في بلد مترامي الأطراف مثل السودان يواجه مليشيا إرهابية، وهو من بين الدول الأقل نموًا. والسوابق الدولية تدعم شرعية المقاومة الشعبية ضد القوى الاستعمارية، أو الإرهابية.
باختصار؛ إن النّهج الناعم المتساهل الذي يتبعه المجتمع الدولي تجاه قوات الدعم السريع (الجنجويد)، وزعيمها حميدتي، يأتي بنتائج عكسية، بالنظر إلى تاريخ المليشيا وتصرفاتها الحالية. ومن ثم، هناك حاجة إلى موقف أكثر صرامة للتصدّي لجرائم الجنجويد المتجددة ودعم حرب السودان ضد هذه الجماعة الإرهابية.
Source link