عيدالجيش .. للأمام أنظر
بقلم :عبد اللطيف كبير
التأريخ يحكي إن أمد الجندية في السودان قديم إمتدت جذوره إلي الممالك القديمة في كوش ونبتة ومروي والبجراوية والسلطنة الزرقاء وأبتدره الإمام المهدي وهو يناهض المستعمر وبرزت ملامحه في شيكان وكرري وأم دبيكرات .. لتتشكل عبره شخصية الجندي السوداني ذلك الرائد الذي لا يكذب أهله.. وحتي إشراف المستعمر علي قوة دفاع السودان لم يمنعها أن تتصدر الحركة الوطنية وتقود رحلة البحث عن الإستقلال ولذلك التأريخ شواهد لايمكن حصرها او الحديث عنها في سطور .. من بينها ماقام به الضباط والجنود السودانيين في الأورطة الرابعة عشر *في تلودي في العام 1900م* كأول شرارة للحركة الوطنية الحديثة والتي أيقظت المستعمر وجعلته يضفي كثيرا من التعديلات والقوانيين التي حاول بها تقييد تلك الجذوة الوطنية إلا إنها ظلت تتقد وتنمو في صفوف تلك القوة خاصة بعد إفتتاح المدرسة الحربية في العام 1905م ( براءة الحاكم العام) ليمثل خريجوها الطليعة المستنيرة التي جذبت إليها المدنيين للإنخراط في صفوف الحركة الوطنية ومناهضة الإستعمار بتكوينهم للجمعيات السرية و التي من بينها علي سبيل المثال جمعية الاتحاد السوداني والتي كونها مجموعة من الضباط أمثال ( خلف الله خالد .. عبدالله خليل ..عبدالله النجومي.. محمدفرح علام ..إبراهيم عبود .. عبدالحميد مرسال ..صالح حسن أبوكدوك ) وكان معهم من المدنيين (خالد سليمان كشة .. محمد صالح الشنقيطي .. عبدالرحمن نقدالله وعبيد حاج الأمين) غير أن جمعية اللواء الأبيض والتي كان علي رأسها الملازم علي عبداللطيف في العام 1924م مثلت علامة فارقة في مسيرة النضال الوطني والتي ضمت عدد كبير من الضباط خريجي المدرسة الحربية أمثال ( حسن الزين .. زين العابدين عبدالتام .. محمود إبوالنجا .. عمرالدغور .. عبدالقادر مرسال) وغيرهم وكانت دماء الشهداء علي عبداللطيف وعبدالفضيل الماظ وثابت عبدالرحيم ورفاقهم من الضباط والجنود هي التي مهدت طريق الاستقلال وعبدته وأشعلت قناديل النضال وأرست لهذه المؤسسة جذورا عميقة في الإرتباط بشعبها الباحث عن الحرية والمتطلع للإستقلال .. دماء بعضها من بعض ونيل يجري في العروق بألق الشجاعة والمروءة الدافئة وسواعد تشد زندها علي الواسوق بإحساس الوطنية والتضحية والفداء عبر الأزمان ..
وما بين ذلك التوقيت في عشرينيات القرن الماضي والعام 1954 مسيرة من النضال والإستبسال خاضتها قوة دفاع السودان وهي ترنو ببصرها إلي قبس الحرية والإنعتاق في الأفق البعيد من وراء عهود أوفت بها مشاركة في الحرب العالمية الثانية بغية تقرير ذلك المصير (إستقلال السودان) وتوجت ذلك في الرابع عشر من أغسطس 1954م بإستلام الفريق أحمد محمد الجعلي لقيادتها من الجنرال الإنجليزي إسكونز باشا كأول ضابط سوداني يتقلد هذا المنصب الرفيع لتبدأ مرحلة جديدة ومهمة في تأريخ السودان عرفت إصطلاحا بالسودنة وعبرها كتبت قوة دفاع السودان الأحرف الأولي للإستقلال ورسمت ملامح سيادة الدولة الوطنية بسواعد بنيها الأفذاذ وتكونت لجنة إجراءات السودنة من كبار ضباط قوة دفاع السودان وهم
الأميرلاي إبراهيم عبود وكان رئيسا لتلك اللجنة وعضوية القائمقام عبداللطيف بك الضو والبكباشي عبدالله الصديق دار صليح والبكباشي أحمد رضا فريد والبكباشي حسن بشير نصر والبكباشي المقبول الأمين الحاج ومن الوظائف التي تمت سودنتها بجانب القائد العام الفريق أحمد محمد كانت سودنة القيادات بضباط سوانيين تسلموا القيادة من الإنجليز ففي الشرقية تولي القيادة الاميرلاي عبداللطيف الضو وينوب عنه كقائدثاني القائمقام محي الدين إحمد عبدالله و في توريت معقل القيادة الجنوبية تولي القيادة الأميرلاي إسماعيل سالم وينوب عنه القائمقام محمدنصر عثمان وتولي القيادة الغربية الأميرلاي محمد عثمان محمد وينوب عنه القائمقام أحمد رضا فريد .. وتولي قيادة الهجانة الأميرلاي مأمون المرضي ينوب عنه أحمد عبدالله حامد وفي مدرسة المشاة بأمدرمان تولي القيادة الطاهر إبراهيم العبد وينوب عنه أحمد عبد الوهاب … وتلك نماذج فقط للوظائف التي تمت سودنتها وليس للحصر .. ومما يحفظه التأريخ البيان الذي أدلي به وزير الخارجية البريطاني إمام مجلس العموم الذي إحتدمت فيه النقاشات بشأن إجراءت السودانة حيث أشاد الوزير البريطاني بالقائد العام السوداني الجديد وذكر إن سجل خدمته نظيف وأضاف ( إننا نذكر بالفخر والإعزاز أن قوة دفاع السودان قد حاربت ببسالة إلي جانب الحلفاء في الحبشة والصحراء الغربية وإرتيريا ولشعب السودان كل الحق في أن يفخر بسجل جنوده في قوة دفاع السودان) .. وتبعا لإجراءات السودنة تم تحويل إسم قوة دفاع السودان إلي الجيش السوداني وتغيير أسماء الوحدات التي كانت تعطي إنطباعا عنصريا أراده المستعمر بحذف تلك العبارات منها :
فرقة العرب الشرقية لتصبح القيادة الشرقية وفرقة العرب الغربية لتصبح القيادة الغربية إلي جانب القيادة الجنوبية والهجانة (القيادة الوسطى) والشمالية (سواري شندي ) .
لقد مثلت تلك الإجراءات التمهيد الحقيقي لدولة السودان الحديثة ليرتفع العلم عاليا خفاقا بسواعد السودانيين فسلام علي أولئك النفر من الرعيل الأول الذين أرسوا قواعد هذا الصرح العظيم وكتبوا تأريخ هذه الأمة بدمائهم وصدق إنتمائهم ويبقي الإحتفال بهذه الذكري في جوهره الحقيقي إعادة قراءة لذلك السفر الخالد بمواقفه وعبره ودورسه الوطنية لعلها تسعفنا في الإجابة علي أسئلة الحاضر ورؤي المستقبل .
*وتجدر الاشارة من بين ثنايا هذا المقال إلي أن أول من قام بإحياء هذه الرمزية والإحتفال بهذه الذكرى (سودنة) القوات المسلحة وجعلها *عيدا للجيش هو الراحل المقيم الفريق أول ركن عبدالماجد حامد خليل النائب الأول لرئيس الجمهورية وزير الدفاع والقائد العام الأسبق و ذلك في مطلع الثمانينيات علي عهد الرئيس والقائد الأعلى الراحل المشير جعفر محمد نميري. أنزل الله علي قبورهم شآبيب الرحمة و المغفرة ..
الحديث عن هذا التأريخ وسرده بشخوصه والمواقف والرجال لا تختزله سطور *فالمسيرة طويلة وممتدة والراية لن تسقط وستظل تخفق قوة ومنعة و الذكري هذه المرة تأتي والقوات المسلحة تخوض معركة الكرامة وتبذل التضحيات فداءا للوطن وتمضي بثبات في سحق مليشيا (آل دقلو) الإرهابية .. بسند شعبها الوفي الأبي .. تستلهم عبق الذكري وتلك الأمجاد .. سبعون عاما وعلي سواعد بنيها وأبطالها بيارق النصر العزيز والله أكبر والعزة للسودان ..
*شعب وجيش فداك ياوطن